Aperçu des sections

  • Généralités

  • الفصل الأول

    :أهداف المحاضرة

    :بعد تقديم هذا الدرس نتمكن من تحقيق الأهداف التالية وفهمها بشكل جيّد

    :إشكالية الفن عند تيودور أدورنو، وقراءته للإرث الاستيطيقي.

    .إشكالية الفن عند تيودور أدورنو.
    .نظرية أدورنو الجمالية والإرث الاستيطيقي .

    .خصائص النظرية الجمالية عند أدورنو، والموسيقى البديلة.

    .خصائص النظرية الجمالية عند أدورنو.
    .الموسيقى البديلة عند أدورنو.

    :المكتسبات القبلية

    .تعريف علم الجمال

    .علم الجمال عند بومجارتن

    .نظريات علم الجمال عند الفلاسفة

    .الجماليات الغربية في القرون الوسطى


  • الفصل الثاني

    :مقدّمة

    إن نظرية الفن عند مدرسة فرانك فورت هي نظرية جعلت من الفن الملاذ الوحيد لتحرير الإنسان من المجتمعات التكنولوجية التي تحولت إلى نظام شامل للقمع والقوة والسيطرة، وعرضت الإنسان على أشكال مختلفة من القهر الظاهر والباطن، والقمع الواعي وغير الواعي الذي ينطلق من أجهزة الإنتاج الضخمة والمؤسسات الإدارية والبيروقراطية والاستهلاكية والإعلامية، التي تشبه آلات هائلة يحاول الناس أن يكيفوا أنفسهم مع ضغوطها ومطالبها.

    من هنا، تركزت الأعمال الفلسفية والفنية، لمفكري النظرية النقدية على تحليل هذه العقلانية التي يسمونها “العقلانية الأداتية”، للكشف عن سلبياتها ومآلاتها التي أصبحت تهدد الوجود الإنساني. الشيء الذي أدى بهم إلى توجيه انتقادات لاذغة لما يسمونه ايديولوجيا التقدم القائمة على المعرفة العلمية والتقنية، والنظريات الفلسفية التي بشرت بها وتحمست لها، كالوضعية والبراغماتية. باعتبارهما مجدتا العلم، واعتبراه السبيل الوحيد لتحقيق التقدم الإنساني.

    في هذا البحث سنتخذ نموذج ثيودور أدورنو، باعتباره واحدا من الجيل الأول لمدرسة فرانك فورت “والمنظر  الرئيسي للفن في هذا الجيل”، حيث جعل من الفن البعد الوحيد الذي يستطيع الإنسان المعاصر من خلاله تجاوز السيطرة التي تهدده من كل جانب وبطرق مختلفة، وقد اعتبر أن الفن أداة تحرر وانعتاق، ونشاط يمكن أن  يعبر عن الحرية وهو ما أشار إليه في كتابه النظرية الجمالية عندما قال: “الفن يمثل ذلك الفكر المغاير نوعيا عن ما هو موجود في الواقع، وأفق تحقيق عالم إنساني أفضل تزول فيه تناقضات الواقع القائم”.

    الفن حسب أدورنو قد فقد وظيفته وأصبح أقرب إلى الزيف منه إلى الفن الأصيل، حيث أصبح مندمجا، وهذا على الرغم أنه البعد الذي كان من المفترض أن يوجه نحو تحرير الإنسان قصد تحقيق ذاته ووجوده، ذلك أن في العمل الفني يتم تحقيق الجانب الذاتي والتحرري في شكل اثر فني إبداعي، غير أنه في ظل ما هو قائم أخذت القيم التجارية المادية مكان القيم الفنية الجمالية ضمن نظام رأسمالي حول كل شيء إلى سلع وبضاعة تخضع لمنطق السوق، وهذا السوق لم يسلم منه حتى الفن، وهو ما عبر عنه هوركهايمر وادورنو في كتابهما جدلية التنوير، ب”  بل أصبح يخضع كليا لقانون التبادل ويذوب بشكل أعمى في الاستهلاك رغم عدم قابليته لذلك وهو يذوب مع الإعلان الذي أكثر فأكثر حضورا حتى يبدو احتكارها نوعا من العبث. أما الدوافع فهي اقتصادية في العمق.


    • الفصل الثالث

       إشكالية الفن عند تيودور أدورنو، وقراءته للإرث الأستيطيقي:

      1-  إشكالية الفن عند تيودور أدورنو:

      ·         الغاية من الفن هو استخدامه كأداة، وظيفته الجوهرية هي الدعوة للقيم النيوليبرالية.

      ·         النظام العالمي الجديد دفع الفن إلى إعادة صياغة نفسه عبر عولمة عملياته.

      ·         دمج الفن والحياة بعضهما البعض، عن طريق عملية الثقافة الاستهلاكية.

      ·         الشركات التي تنتج السلع تقدم الدعم المالي لسلاحها البحثي والتدويري: الفنون.

      ·         كلما ازداد اكتساب السلع السمة الثقافية، ازداد تسليع الفن أكثر مع توسع سوقه، ومع ازدياد تضمينه داخل المسار العام للنشاط الرأسمالي. يقول ادورنو: “حين تتضاءل أهمية قيمة الانتفاع المادي للسلع، وحيث يصير الاستهلاك متعة بديلة للوجاهة الاجتماعية… حيث يبدو في النهاية، أن السمة السلعية للمواد الاستهلاكية تختفي تماما. إنها محاكاة تهكمية للوهم الجمالي”.

      ·         بدل المجهود الكبير للتقريب بين الفن وعالم الموضة، من خلال آلية أيديولوجية، من قبيل اعتبار أن الفن والموضة يسيران جنبا إلى جنب أحيانا بأسلوب راديكالي وصادم، وأحيانا أخرى بطريقة تقليدية ومحافظة، وكلاهما تصدر الأحكام عليه وفقا لمعايير ذوق ذاتية وكل منهما يمثل بأسلوبه الخاص أجواء العصور وروحها، إن الفن والموضة، يحفزان الحواس ويصنعن أشياء مرغوبة ومعبودات للمجتمعات الثرية وتراثيات ثقافية.

      ·         خضوع المعارض والمتاحف العامة لاكتساب الصفات التجارية وميول رعاتها التجاريين.

      ·         أضحى الفن سلعة لها قيمة تبادلية خالصة، تحمل داخلها ترتيبات الدعاية والرعاية التي من خلالها تشاهد وتباع، فقد أجبر على أن يكون خادما للإنتاج الجماهيري.

      وفقا لكل ما آل إليه وضع الفن حسب أدورنو ،  ورغم كل ذلك، يجب اعتباره ملاذ للخلاص من الوضع المأساوي الذي صار يعيشه الإنسان المعاصر، إذ أنه البعد الوحيد الذي يمكنه إنقاذ ونقل الوضع الراهن  إلى وضع إنساني جديد مغاير لما هو قائم، في مقابل العقلية الأداتية ذات الطابع الشمولي أو الكلي الذي يوصف باللاحقيقة.

        إن الفن حسب أدورنو هو تأكيد للتفرد والاختلاف والتميز، باعتباره يسمو على الواقع الاجتماعي لكن في نفس الوقت هو استجابة لهذا الواقع، فوظيفة الفن حسبه تنبع من داخل المجتمع نفسه، وهو مجال للتعبير عن التناقضات الاجتماعية القائمة، التي يعطيها معنى من خلال الابتعاد عن الوصف، والتعالي على المجتمع هو ما يكسبه قوته النقدية وقدرته على التجاوز.

      ولكي يكون للفن قوة نقدية يجب الانطلاق من العمل الفني بدلا من الواقع، لأن الفن بإمكانه إعادة صياغة الواقع على نحو مغاير لما هو عليه، ويفتح بعدا جديدا للتجربة الإنسانية، وهو بعد التمرد الذاتي على ما هو متاح، ويبدو كإمكانية جديدة للوجود الإنسان, وبالتالي فالعمل الفني هو تعبير عن ما هو ذاتي من خلال تباعده عن الواقع لكن من دون الانفصال عنه، وهو ما يؤكده أدورنو من خلال قوله ” إن الطابع الاجتماعي للفن يتمثل في حركته الداخلية ضد المجتمع، وليس أي بيان واضح بخصوص ذلك المجتمع والإيماءة التاريخية تقاوم الواقع القائم، رغم أن الأعمال الفنية في حقيقة الأمر هي جزء من ذلك الواقع”.

      ونجد حسب أدورنو أنه من بين الأسباب التي أدت  بالاستيطيقا إلى البؤس:

      ·         قصور الاستيطيقا التقليدية على حل المعضلة الجوهرية بين الفن والمفهوم الفلسفي، والتي ولدت تحديدا منذ أن قرر كانط منع الاستيطيقا من المفهوم، واقتراحه مقولة الذوق بديلا عن الحقيقة، ذلك أن مفهوم الحقيقة يبقى حكرا في نظر كانط على حقل الظواهر في حدود علاقة الذهن والطبيعة.

      ·         موت الفن بتحوله إلى بضاعة.

      وبالتالي فإنه حسب أدورنو لتجاوز هذا البأس الإستيطيقي يجب على الاستيطيقا أن تتحرك في طلب الحقيقة، فكل أستيطيقا حسبه لا تتحرك في منظورية الحقيقة تفشل في مهمتها، وهي غالبا ما تكون استيطيقا مطبخية، ومن أجل ذلك يجب على الفن ألا يبقى غريبا على المفهوم. وبالتالي حاجة الفن للفلسفة من أجل أن يحيى من جديد، كما يجب على الفلسفة أن تصير استيطيقا، فالاستطيقا حسبه ليست فلسفة مطبقة بل هي فلسفة في ذاتها. ذلك رهان أدورنو في صراعه مع العقل الأداتي  الذي صار مجالا للصناعة الثقافية، أمام فشل الاستيطيقا التقليدية في إدراك مضمون الحقيقة فيما يخص الآثار الفنية. فالميزة الأساسية للفلسفة حسب أدورنو هي كونها تدرك تماما محدودية المفاهيم التي تعمل بها، من خلال قوله “إن عدم الافتتان بالمفهوم هو ترياق الفلسفة.

      يعلن أدورنو إذن أن الفن يطلب الحقيقة، وهو بذلك يحتاج إلى الفلسفة، فالإنقاذ الوحيد للاستيطيقا إنما هو فلسفي في جوهره، وهذا معنى قوله: “يحتاج مضمون حقيقة أثر  فني ما إلى الفلسفة، وإنها ضمنه تتقاطع الفلسفة حقا مع الفن، أو هي تنطفئ داخله”. فأهمية الفن الطلائعي  حسب ادورنو، تكمن في كونه يمكن أن يكون في أقصى درجاته عملية مفهمة جوهرية، كما أن  الفلسفة أن لا تستسلم للفن، فهي  كفن تعادل محو الفلسفة، وعليها أن تبطل نزعتها الجمالية.

      على خلاف نظام هيجل يتم استرداد العنصر المتغاير جدليا بواسطة “نفي النفي” أو نقيض النقيض، يعلن ادورنو عن مبدأ “الجدل السلبي” مبدأ يرفض أي نوع من أنواع التأكيد أو الايجابية فهو مبدأ للسلبية التامة، ّإذا هو اللاهوية ” ما لا يمكن التعبير عنه”. فأدورنو قد أعاد النظر في مفهوم الجدل نفسه وبالتحديد في مفهوم نفي النفي، من خلال كتاب الدياليكتيك السلبي 1966، فقد جرت العادة على النظر  إلى الجدل على أنه منهج متحرك يسير بالفكر نحو آفاق جديدة، باعتبار التركيب أو نفي النفي لحظة تتجاوز التناقض بين الإثبات والنفي إلى لحظة أعلى هي عبارة عن نفي للنفي ينتج إثباتا جديدا وهكذا…، فمفهوم الجدل السلبي يشكك في تجاوز لحظة الإثبات-النفي إلى لحظة نفي النفي، وبالتالي يبقي الأفق رهين الضبابية، أو على الأقل غير قابل للتحديد الإيجابي دائما.

      لكل هذه الاسباب  يتجه ادورنو إلى الموسيقى والفن التقدميين وبصورة خاصة موسيقى شونبرغ، فقد كان مدفوعا بشدة برغبته أن يرى الأعمال التقدمية الرائدة تتحدى الآثار التجانسية لعملية تسليع الفن أو المتاجرة به “أي تشييء الفن بحيث أن المواضيع الفنية تختزل إلى قيمة تبادلية، وتختزل الذاتية إلى حالة مجرد شيء أو مجرد موضوع بالقيمة التبادلية. هناك رغبة عند ادورنو في الحفاظ على قدسية الذاتية المتجسدة في الموضوع الفني، في وجه هجمة السوق حيث تتساوى القيمة بالسعر. وبهذا يكون ادورنو مشاركا في تجاوز اختزال الفن والفكر وردهما إلى صناعة الثقافة. ومنه فإن الحديث عن الفن حسب أدورنو صار مشكلة، لا سيما بخصوص  علاقته بالحياة الإنسانية والمجتمع”.

      2- نظرية أدرنو الجمالية والإرث الاستيطيقي:

      أدورنو والنظرية الفنية عند كانط:

      من خلال كتاب النظرية الاستيطيقية لأدورنو نجد أن نظريته الفنية تستمد أصولها من نظرية الفن الكانطية وخاصة من خلال مقولة الجليل إذ نجده يقول:” وحده الجليل هو ما بقي على قيد الحياة عبر كل الحداثة، وذلك من بين كل الأفكار التقليدية عن الإستيطيقا منذ أفول جمال الشكل”.  كما أنه أعجب بتعريف إيمانويل كانط  لمفهوم الجليل قائلًا: “إن كانط كان عميقًا جدًا حينما عرّف الجليل بمقاومة الفكر لكل قوة خارقة للبشر”. ويقول أيضا، “الجليل الذي خصصه كانط للطبيعة، قد صار فيما بعد المكون التاريخي للفن نفسه”.

        لكن إذا كانت فكرة الجليل هي التي لا تزال حية من بين كل الإرث الفني، فإن أدورنو يقترح إجراء تعديلات أساسية على هذه الفكرة التي يمكن أن نلخصها فيما يلي:

      ·         تحويلها من فكرة الجليل إلى فكرة القبيح. يقول أدورنو “إن ما هو قبيح في عين مجتمع ما إنما يكشف عن قيم جمالية أخرى”.

      ·         تحويلها من فكرة عقلية، إلى تعبير عن المقموع والبدائي والمقصي في أعماق ذاكرة العقل الحديث.

      ·         تحويلها من تلاعب الظاهر الجمالي الخالي من الحقيقة، إلى الحقيقة بوصفها لغزا للآلام المخزنة في ذاكرة العصر.

      ·         تحويلها من المصالحة بين الجليل الاستيطيقي والاحترام الأخلاقي، إلى النفي الجمالي لعالم لم يتبقى فيه من الجماليات غير غياب المعنى.

      لقد بنى أدورنو نظريته من خلال اعتباره أن جوهر الفن هو الجليل، “تعريف الفن بوصفه في جوهره رغبة في عالم أفضل”، ويبقى كانط في نظر أدورنو أول من أدرك أن السلوك الاستيطيقي، المتحرر من الرغبات المباشرة، بمعنى فصل الفن عن الواقع الملموس الذي هو عند ادورنو عالم البضاعة.

      فبعد أن تحول عقل التنوير إلى عقل أداتي، يدفع بالإنسانية إلى البربرية والكارثة الكبرى، يستعيد أدورنو الجليل الذي انساب عبر نصوص نيتشه، حيث يلتقي كانط ونيتشه حسبه على قمة جبل واحد، كل واحد منهما يسعى إلى تأهيل الطبيعة أو استعادة الانتماء إلى الأرض، وذلك ضد كل أشكال الهيمنة على البشر، سواء من أجل جعلهم قاصرين إلى الأبد، أو من اجل الإبقاء على نموذج الإنسان المنحط. فما أصاب الإنسان من كارثة بعد الحربين، لم يصب الأفراد في أجسادهم فحسب إنما أصاب دائرة المعنى في الصميم فأضحى بذلك اللامعنى مجالا وحيدا للثقافة في جملتها، لا شيء قد يسعف البشر حسب استيطيقا أدورنو ، غير  اتخاذ الفن وعدا بالسعادة، والسعادة التي يمكن أن توفرها لنا الأعمال الفنية هي القدرة على الصمود، وهذا ما يعبر عنه الجليل الكانطي حسب ادورنو باعتباره، “مقاومة الفكر لكل جبروت”. لكن إذا كان أدورنو قد أعجب بكانط في ما يخص مقولة الجليل، إلا أن ما يعيبه عليه كونه حرم الاستيطيقا من عمل المفهوم، وبالتالي فبفقدان الجميل للمفهوم لم يعد بوسعه أن يكون مستقبل الاستيطيقا.

      أدورنو والنظرية الفنية عند نيتشه:

      يعترف أدورنو في نص paralipomina  المصاحب للنظرية الاستيطيقية، ويشيد بمدى أهمية الفلسفة الفنية المضادة للميتافيزيقا التي افتتحها نيتشه نفسه، حيث يقول أدورنو  في هذا الصدد “لقد طالب نيتشه بفلسفة مضادة للميتافيزيقا لكنها فنية (…)، لا شيء مضاد للفن كما هي النزعة الوضعية الصارمة لقد كان نيتشه على وعي بكل هذاونجد نيتشه يقول في الفقرة 43 من كتابه الفيلسوف “لقد كان التاريخ وعلوم الطبيعة موجهة ضرورة ضد القرون الوسطى: المعرفة ضد الإيمان. ضد المعرفة نوجه الآن الفن: العودة إلى الحياة “، لقد استحضر  ادورنو  نيتشه في بناء نظريته، لمجموعة من الأسباب تتميز في باطنها عن ما جاءت ضدا عليه نظرية أدورنو الاستيطيقية والتي يمكن أن نحصرها فيما يلي:

      ·         اعتراض نيتشه على حضارة الإنسان الحديث، مقترحا استعادة النموذج الإنساني، أما ادورنو فيعترض على منطق المجتمعات الكليانية المعاصرة القائمة على الهيمنة على الأفراد.

      ·         نيتشه يستعيد ديونيزوس ضد المسيح، أما أدورنو فضد تحويل الثقافة والفن خاصة إلى بضاعة.

      ·         نيتشه يدفع بالفلسفة نحو منعرج استيطيقي، أدورنو يدفع بالفلسفة نحو منعرج سياسي جوهري.

      هذه بعض أوجه التمايز بين نظرية ادورنو ونظرية نيتشه الفنيتين، لكن ما يعيبه ادورنو على نيتشه يمكن أن نلخصه فيما يلي:

      ·         حرمانه الفن من الكرامة الفلسفية التي يتميز بها مفهوم الحقيقة. إذ بقي على حد تعبير أدورنو تحت عبادة بودلير للكذب، إرادة تجميل الحياة دون تغييرها، أدورنو إذن يكون ضد الفن بوصه كذبا، يقول”الآثار الفنية الكبرى ليس بوسعها أن تكذب وحتى حينما يكون مضمونها سوى مظهر فهو يملك بوصفه مظهرا ضروريا حقيقة تشهد عليها الآثار الفنية، وحدها الآثار غير الناجحة خاطئة.وبهذا يكون أدورنو قد حارب فكرة نيتشوية استولت على دائرة الاستيطيقا منذ بودلير وهي القائمة على إقصاء قاطع لكل المقاييس العقلية والمنطقية والايتيقية من دائرة الفن من أجل حصرها ضمن دائرة الوهم والكذبضد نيتشه يعلن ادورنو: لن يكون من الآن فصاعدا من حق الفن أن يكون كاذبا، وإلا صار مذنبا في حق التاريخ الفعلي الحالي للبشر، كما لا مجال ثانية لمفهوم العبقرية لأنه العدو الممكن للآثار الفنية.

      ·         انخراط نيتشه ضمن افق مفهوم العبقرية الرومنسي، الذي افتتحه نقد ملكة الحكم، فأدورنو يحرر الفن من مفهوم العبقرية، يقول “إن مفهوم العبقرية مفهوم خاطئ، لأن الآثار الفنية ليست بمخلوقات ولا البشر بخالقين،وثمة يكمن خطأ استيطيقا العبقرية(…)، ذلك أن المنتجين ليسوا بأنصاف آلهة ولا البشر بمعصومين عن الخطأ، بل هم أحيانا عصابيين وقتلة.

      ·         تحويله الفن إلى ضرب من أدب العزاء والبحث عن ضرب من الأمان ضمن مشروع مثالي، هنا يقترح أدورنو جعل الفن أطروحة مضادة للمجتمع.

      أدورنو والنظرية الفنية عند هيجل:

      يحتل الفن مكانة أساسية عند هيجل باعتباره مجال لانكشاف الحقيقة، وليس تشويها لها كما ذهب إلى ذلك أفلاطون، وتأكيد هيجل على علاقة الحقل الفني بالحقيقة، هو ما أعطى فكرته راهنية عند  ادورنو، وذلك أن هذا الأخير قد تصور مثل هيجل، بأن الفن ليس صورة مشوهة أو ناقصة للحقيقة بل مجال للكشف عنها ومعرفتها.

      من هنا يتفق أدورنو مع هيجل،  بأن الفن يحمل حقيقة ،ولكن الحقيقة حسب أدورنو لا تنفصل عن الوضع الاجتماعي والتاريخي الذي يعيشه البشر، والفن يكشف عن الحقيقة بما هي إجلاء لزيف وضعية العالم الاجتماعي والتاريخي، ومن هنا لا يمكن للفن أن يكتسي أي معنى أو أي حقيقة إلا عندما يرتبط بالوضع الاجتماعي للإنسان ويعبر عن تناقضاته، وذلك لأن مضمون الحقيقة هو مضمون تاريخي حسب ادورنو. ومن هنا يتعارض مع هيجل في كون الفن يجب أن يتحرر من المنظورات الميتافيزيقية التي اعتبرته إظهارا للفكرة  أو الروح المطلق

      ادورنو و النظرية الفنية عند ماركس:

      الأطروحة الماركسية اعتبرت أن التاريخ، ليس هو تطابق الواقع والعقل، بل هو تاريخ اغتراب وهيمنة وآلام متراكمة. وكذلك اعتبار الفن كأيديولوجيا من حيث أنه يدخل في إطار البنية الفوقية التي هي انعكاس للبنية الاقتصادية، وأنه من واجب الفنان أن يعبر عن مصالح الطبقة البروليتارية وحاجاتها، واعتبرت أن الفن   الأصيل والحقيقي هو الفن  المعبر عن هذه الطبقة ولهذا من واجب الفنان الملتزم القيام بوظيفته الاجتماعية،ومن داخل هذا الطرح يعيد أدورنو النظر في هذا الموقف من الفن،  إذ أن الفن لا يمكن حصره في إطار طبقي محدد، أو في التصور البروليتاري الذي يرى أن الفن يعكس الواقع، لأنه يشير إلى علاقة آلية بين الفن والواقع الاجتماعي، فالفن حسبه ليس مجرد تسجيل جامد لما يحدث في الواقع، بل يسعى إلى أن يكون هذا الواقع شيئا آخر.

      ينادي ادورنو باستقلالية الفن وينتقد النظرية الماركسية التي تعتبره إيديولوجيا، وتعمل على إبراز الطابع الطبقي للفن، فهذا يفترض مباشرة بين الفن ومجمل علاقات الإنتاج وتغير الأخيرة يؤدي إلى تغير الفن، وهذا ينطوي ضمنيا على ضرورة تمثيل علاقات الإنتاج الاجتماعية في العمل الفني، وهذا التصور ينطوي على تصور معياري يفترض أن هناك رابطة محددة بين الفن والطبقة الاجتماعية، والفن الأصيل والحقيقي من وجهة هذا المنظور هو الفن الذي يعبر عن وعي الطبقة الصاعدة، وبالتالي يوحد بين السياسي والجمالي، أي بين المضمون الثوري والطبيعة النوعية للفن، والواقعية هي الشكل الأمثل للتعبير عن ذلك. ونجد أن أدورنو ينتقد هذا الطرح لأنه لم يفسح المجال للذاتية والخيال في الفن بوصفهما يمثلان القدرة على تجاوز الواقع وما فيه من تناقضات.

      ونجد أن  الخطاب الجمالي عند أدورنو يستند إلى المرجعية الماركسية خاصة في مسألة العلاقة بين العمل الفني والحياة الاجتماعية، وذلك أن العمل الفني يتعين أن ينطلق من الحياة الاجتماعية لا أن يبقى سجين المنظورات الميتافيزيقية والأنطولوجية. وبالتالي فإن ما يعيبه ادورنو على التصور الماركسي للفن على الأقل عيبين اثنين: أن الفن لا يعدو أن يكون إلا انعكاسا للواقع، وأن الأثر الفني صار إلى إيديولوجيا خادمة للواقعية الاشتراكية. وهو ما يدفع بأدورنو إلى التصريح بتفضيله أنذثار الفن على أن يكون خاخما للواقعية الاشتراكية، فهو يقول “الاستيطيقا المالركسية لم تفهم من الديالكتيك إلا قليلا، وهذا حالها مع الفن”.

      ادورنو والنظرية الفنية عند فرويد:

      ادورنو يقدم نقدا لنظرية التحليل النفسي، من خلال تركيزها على الحلم واللاشعور ودورهما في عملية الخيال والتعبير عن المكبوت لدى الإنسان. فالعمل الفني حسب هذه النظرية يبدو وكأنه تدوين مكتوب فيما قبل في النفس البشرية، ولذلك يعتبر فرويد جميع المواد التي يتألف منها العمل الفني، على أنها ماضي مختزن داخل الحياة الإنسانية، ووردت عليه خلال اللذات العابثة والكسل وخبرات السعادة والألم، فالتجارب الحاضرة توقظ في المبدع ذكرى تجربة اسبق تنبثق من خلالها رغبة في التحقق من خلال العمل الفني. فما يعيبه أدورنو على فرويد أن التحليل النفسي للفن لديه سجين منطق العلاقة وتمثلها، وهذا ما يعوقه على اكتشاف التعدد الغني للمعاني في العمل الفني، التي لا يمكن ردها للسيرة الذاتية للفنان فحسب، فكل نص لا يتيح لنا اكتشاف هوية مؤلفه فحسب، وإنما يتيح لنا إدراك (نص الحياة) من خلال الخيال الحسي، وأنه يمكن حل لغز النص الفني بالكشف عن الكبت الجماعي، كأسلوب لكشف الرقابة السياسية على اختلاف العصور، وليس بالكبت الفردي فقط، إذ يقول: “لن يكون الفنان من هنا فصاعدا عبقريا إلا بقدر ما هو حامل لذات جماعية، إنه صوت المجتمع وذاكرته في آن”. كما يأخذ عليه ملاحظة هامة تتعلق باهتمام فرويد بمضمون العمل الفني أكثر من اهتمامه بالسمات الشكلية واللغوية والتقنية، وهذا يبعده عن الجماليات المعاصرة التي تركز على الآليات التشكيلية بوصفها ثورة في الفن.  وبالتالي فقد أخطأ منظر التحليل النفسي في حق الفن لأنه حول الفنانين إلى عصابيين والتجربة الفنية إلى حقل من المكبوتات وهو ما يعبر عنه النص التالي بأسلوب ادورنو: “فمن منظور التحليل النفسي ليس الطابع السلبي للآثار الفنية سوى العلامة على مسار الكبت الذي يرتسم داخل العمل الفني”.

      ونجد أيضا أن الفكرة الهامة التي ركز عليها أدورنو في تحليله  لفرويد في مواضع متفرقة من كتاب النظرية الجمالية ، هي أنه ليس هناك نظام طبيعي أو منطقي للاشعور وهو مصدر الفن عند فرويد، بالإضافة للخيال  فهذه الطبيعة الخاصة للفن التي تخرج عن منطق الواقع هي ما يميز الفن على الإطلاق والفنان عند ادورنو هو الذي يحتفظ عمله الفني بشكله الذي يأبى على الدلالة الجاهزة، ويحتفظ بمنطه الخاص،(…) حيث يسعى من خلاله الفنان إلى تقديم حلمه الإبداعي كما هو، حتى لا يفقد خواصه الرئيسية حين يدخله في شكل منطقي يمكن تفسيره بالرجوع لما هو كائن، وليس بالرغبة من التحرر مما هو كائن.




      • الفصل الرابع

        :خصائص النظرية الجمالية عند أدورنو، والموسيقى البديلة

        :خصائص النظرية الجمالية عند أدورنو -1

        تتميز النظرية الفنية عند أدورنو في كونها نظرية ثورية، تريد أن تكون بديلا عن النظريات التقليدية التي تقر الواقع القائم بحكم موقفها النظري وأسلوبها في التفكير، وهي نظرية تطالب بتغيير المجتمع من أساسه تغييرا ثوريا لا يقتصر على أشكاله وتنظيماته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل يمتد إلى بنية التفكير والمواقف والحاجات واللغة التي يستخدمها الناس في ذلك المجتمع. في غياب الممارسة الثورية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ينحرف الانتباه إلى الممارسة الراديكالية للفن.، يقول أدورنو: ” إن الفن أكثر أهمية من الممارسة لأن الفن، مديرا ظهره للممارسة ذاتها، يقوم كذلك بشجب نواقص وزيف العالم العملي، ومن الجائز ألا يكون للممارسة أي إدراك مباشر بذلك الواقع طالما أن إعادة التنظيم العملي للعالم لم تتحقق بعد.

        الفن عند  ادورنو هو أداة تحرر وانعثاق، فقد أصبح حسب ادورنو ملاذا للإنسان وأنعتاق مما آل إليه الواقع اليوم، ينطلق أدورنو من مفاهيم نقدية تجاه سيطرة الرأسمالية على “التربية الجمالية” في المجتمع كما يسميها أدورنو، وفي ذات الوقت فإن دور الإستطيقا أن تكتشف وتستعيد دورها بنفسها عن طريق الإنخراط في التناقضات الفعلية للمجتمع: “إنما على الإستطيقا أن تنخرط رأسًا ضمن التناقضات الفعلية المحايثة لمجتمعٍ آل فيه العقل إلى أداة هيمنة، والإنسان إلى فرد مشوّه متشيئ متشظٍّ، و الفن إلى بضاعة مبتذلة”. نعم، إن الصادم السينمائي ليس مثل الرائع من ناحية جمالية، ولكنه مثل الرائع السينمائي في كونه يعكس ما هو مخفيّ اليوم في ظل الأنظمة الاجتماعية القائمة من جماليات.

        أستيطيقا أدورنو تركز على تقديم التحليل الماهوي للعمل الفني، ثم تقدم تطبيقات مختلفة بمعنى أنها تستند على رؤية فلسفية واجتماعية في تحليل طبيعة الفن. والفن حسبه لا يمكن أن يكون انعكاسا للنسق الاجتماعي، بل يؤدي دوره داخل هذا النسق بوصفه مثيرا ينتج نوعا غير مباشر من المعرفة، فالفن هو النافي للعالم الفعلي، الذي نجابهه في الحياة اليومية. إن العمل الفني حسب أدورنو هو استحضار ما لم يتحدد بعد، وبهذه القدرة يشكل قطيعة مع ما هو موجود أو قائم، أما ما يتم استحضاره في هذا العمل هو البعد التحرري الذي يعيد خلق الواقع بدل أن يكون مغتربا عنه،” فالفن قادر على تمثيل الإمكانات والقدرات والأفكار التي لم تتحقق في الواقع الفعلي ولكنه يملك إمكانية استخلاصها من الواقع الباطن للفن ثم تجسيدها على المستوى الاجتماعي”.كما يؤكد على نفي اتصال العمل الفني بدلالات جاهزة، من أجل المحافظة على الطابع الاستقلالي للفن، الذي يريد تجاوز الواقع، والتحرر من أسر قوانينه السائدة. فالفن حسب ادورنو لم يمت طالما لم يخضع للقواعد والقوانين التي تحكم الحياة الحديثة، لأنه لا يستطيع أن يحيى من خلال قوانين جامدة، معدة سلفا، فهو يصنع قوانينه وقواعده الخاصة.

        كما يعتبر اأن جميع الأعمال الفنية لها طابع مزدوج، فهي أعمال مستقلة عن الواقع، ولا يمكن استنطاقها بمعان واقعية، لأنها تخييل يوتوبي حر، وهي في نفس الوقت تمثل حدثا اجتماعيا، لأنه لا يمكن نفي الطابع الاجتماعي والتاريخي للأعمال الفنية، فهي تنتج في ظل مجتمع وتريد تجاوز ثقافة تاريخية محددة، وهذا الطابع المزدوج للأعمال الفنية يتيح تكون موقف جمالي مستقل داخل البنية الاجتماعية، وهذا ما يعد في حد ذاته حدثا اجتماعيا.

        لقد قدم أدورنو نظرية جمالية ترى في البعد الإيمائي للفن بنية موازية لبنية الواقع، وغير متوافقة معه، وهو يعتبر أن السبب في كون نظريته لم تزدهر لأنها لا تفيد الاقتصاد وإدارة الدولة، فهي تقوم بالنقد وليس تكريس للواقع في صورة شق واحد. فالفن لديه ينحى جانبا خارج نظام الاتصال المحكوم بقوانين التسوق، وقد اختار للفن أن يكون غير ذي نفع من منظور المجتمع الذي تسوده قيمة التبادل، فهو يتعارض مع الفكر الأداتي، الذي يركز على التسويق السلعي، والدعاية الإيديولوجية وبالتالي يتعارض مع الاتصال. ومقاومة الفن للفكر الأداتي المرتبط بالمنفعة في جماليات أدورنو ،من خلال رفض الإيديولوجية، و رفض قيمة التبادل التي يعبر عنها الاتصال التجاري والسلعي. ومن هنا كما يمكن تحديد المظاهر الأساسية للنقد الاستيطيقي عند أدورنو في العناصر التالية:

        ·         النفي: مفهوم مستمد من كاتبه جدل السلب، يستخدمه في النظرية الجمالية على نحو مغاير  فيما ورد في جدل السلب، حيث استخدمه كمنهج للنقد الفلسفي والاجتماعي، وهو يمثل نمط من الخطاب يختلف عن النفي كمقولة جمالية مرتبط بمفهوم النقد ومفهوم التمايز للعمل الفني الذي يتمثل في البعد الايمائي والخياليي.

        ·         مقاومة الاتصال بالواقع الاجتماعي، من اجل التأكيد على الطبيعة الاستقلالية الفن. عن طرق البعد عن اللغة التداولية السهلة والاعتماد على البعد الخيالي للغة وعدم الاعتماد على المعنى في إنتاج الفن.

        ·         نفي القوالب الايديولوجية: يتمثل في عدم اعتماد الفنان على الأساليب والأشكال الفنية السائدة مثل السرد الدلالي والأشكال الدرامية التقليدية.

        ·         التمايز: عدم التكرار لنظام معين، حتى لا يؤدي إلى استقرار بنية شكلية، تكرس لما هو سائد.

        إن الأعمال الفنية حسب أدورنو رغم كثرتها فإنها تقدم الفن المرتبط بثقافة ما وعصر ما، ويعتبر أنه لقراءة عمل فني ما يجب التمييز بين ثلاث مستويات من القراءة:

        ·         التأويل أو التفسير.

        ·         التعليق، أو الشرح.

        ·         النقد: ونجد أن الفرد في خصوصيته هو الملجأ الأخير للوعي النقدي الذي لا يمكن أن يتماثل مع أي من القوى الاقتصادية أو السياسية القائمة ولا يتطابق معها، وإنما يكون متمايزا عنها، ويشكل قوة للنفي في مواجهة الإيديولوجيا، “الفرد حسب أدورنو هو حارس الروح النقدية وممثل الذات الإنسانية، ولهذا فإن مصير الفرد هو مركز أي فكر نقدي.

        كل واحد من هذه الحالات يمثل حالة خاصة لها آلياتها، التي تحاول أن تقدم فهمها الخاص لحقيقة المضمون والتاريخ، وكل عمل فني يمكن أن يخضع لقراءات مختلفة، تتباين في تفسيراتها وتأويلاتها أيضا.

        ومنه فإن العمل الفني صيرورة تاريخية مرتبطة بالنقد لأن العمل الفني يعتمد على النقد حتى يصبح ما هو عليه، لكن إذا كانت الأعمال المكتملة لا تصبح ما هي عليه إلا لأن كينونتها صيرورة فهي تحال إلى الأشكال التي تتبلور فيها هذه العملية “التفسير والشرح والنقد”.

        يعتبر أدورنو أن الفن لم يعد له الطابع الجوهري الذي كان مرتبطا به في المجتمعات السابقة، وضع الفن مرتبط بنقد الثقافة المعاصرة التي تحكمها آليات التبادل ومبدأ المردود. ومن هنا تأتي ضرورة تجاوز الفن للواقع القائم، حتى لا يتحول لأداة لتكريس هذا الواقع وتأكيده، بدلا من نفيه وكشف ما فيه من بؤس وألم، فوضع الفن حسب أدورنو يعيد صياغة العالم على نحو مغاير تماما للعالم الواقعي، ويظهر المضمون المباشر في أسلوب العمل الفني، وبناء منطقه الداخلي.”الفن قوة منشقة عن الواقع”، و”الشكل الجمالي يحول الإنسان من فرد محكوم بشروط الواقع الحاضر إلى فرد مكتف بذاته، ومحكوم بشروط أخرى”، كما أن “العمل الفني يعيد تمثيل الواقع، وهو يضعه في قفص الاتهام، ويكشف بالتالي عن المقموع والمكبوت بداخله”.

        وهنا يصف أدورنو حالة الفن في الحياة المعاصرة، إذ يحدد أهمية العمل الفني في كشفه للمقموع والمكبوت في الحياة الإنسانية، وعليه  يميز بين نوعين من الفن:

        الفن السوفسطائي: أو الفن الكاذب الذي يدمج نفسه مع الأنواع الأخرى من الدعاية  ويتكيف مع الحياة الحديثة وليست لديه أية قدرة على المقاومة والنفي فهو وسيلة إيديولوجية لتبرير الحياة من خلال الوسائل والأشكال والأدوات الفنية.

        الفن الحقيقي: يمثل قوة احتجاج ضد كل ما هو قائم، وما  يؤدي إلى الاغتراب والتشيؤ والنكوص، وهو لا يعكس النظام الاجتماعي القائم ولا يخضع لمفهوم النظام أو العقل كأداة جماعية لشرح الواقع وتفسيره والسيطرة عليه، وإنما يخضع لعمليات اختيار وانتقاء سياقات تخيلية للزمن، تسلب الركون للواقع والاطمئنان إليه. فعلاقة الفن بالمجتمع، تكمن في اعتماده على بنية التخيل الحسي، وهو بذلك  يقدم اليوتوبيا بالنسبة للمجتمع، ولذلك لا يمكن إحالة الفن للمجتمع وإلا فما نقدمه حين ذاك يكون تفسيرا إيديولوجيا للفن، بالرجوع لما هو كائن،  فهو انفتاح على أبعاد متعددة أو أحد هذه الأبعاد وليس البعد الوحيد.

        من بين الخصائص التي تميزت بها نظرية أدورنو في الفن نجد أنه في الفصل الثالث من كتاب النظرية الإستيطيقية، يتناول مفهوم القبيح والجميل وعلاقة الفن بالتكنولوجيا، ويعتبر أن مفهوم القبح في الفن المعاصر الذي يتخذ صور التفتت والتمزق بدلا من التناغم والانسجام، قد تبدل بحيث أصبح بناء إيجابي يخرج المرء من الانغماس في الواقع، أو تخديره بإبعاده عن الخروج من أسر الواقع. لهذا يطرح مظاهر القبح الاجتماعية في فلسفة التاريخ التي تطرح تصورا معياريا يحدد معنى القبح، حيث نجده يقول: “ينبغي على الفن أن يأخذ في حسبانه ما يشار إليه بوصفه قبيحًا، ليس أبدًا من أجل إدماجه أو تلطيفه أو التصالح معه؛ بل من أجل أن يفضح القبيح ذاته العالم الذي صنعه وأدى إلى حدوثه”. فلا ينفصل مفهوم الروعة إذن حسب أدورنو عن مفهوم تشيؤ الفن وتحوله لسلعة مستهلكة في المجتمعات الرأسمالية حتى في أكثر حالة الفن جماليةً؛ لذا على ذات الفن أن يضمّ القبيح له إذا ما أراد أن يتحرر مما سبق ذكره من قيم فنية مستهلكة ومعايير تجارية، صنعتها أفكار السوق لا الناس، يقول: على الفن أن يأخذ في حسبانه ما يشار إليه بوصفه قبيحا ليس أبدا من أجل إدماجه أو تلطيفه أو التصالح معه، بل من أجل أن يفضح في القبيح نفسه العالم الذي صنعه، وأن يعيد إنتاج هذا العالم على صورته”. في جملة أدورنو التي يقول فيها: “إن وراء إستطيقا القبح نقدًا للهيمنة”.و أيضا “أن ما هو قبيح اجتماعيا إنما يحرر قيما استيطيقية قوية جدا”.

        يعلن أدورنو عن انبثاق خاصية جديدة في الفن الحديث تدفع بالاستيطيقا بأخذها في الحسبان، وهي خاصية القبح، خاصية ولدت مع “زهور الشر ” لبودلير  واللاتناغم في موسيقى شونبرغ، فمند ذلك الحين تعلقت همة الاستيطيقا بما يسميه ب”جدلية القبيح”، التي لم يبق فيها للجميل إلا منزلة ثانوية، بل يذهب إلى الإعلان عن موت الجميل وأفوله عن سماء الاستيطيقا مرة واحدة، يقول: “لم يعد ثمة من جميل، ذلك بأن الجميل لم يعد موجودا، أو أن فكرة الجمال قد صارت إلى شيء فارغ.

        من بين أهم مقومات استيطيقا القبح، هي إقصاء مفهوم المتعة الفنية، ففي مجتمع يرتد فيه الفن إلى مجرد خاصية ثقافية متشيئة، ينبغي حسب ادورنو إقصاء مفهوم المتعة الفنية . فمعه يصير الفن متعة بلا منفعة، بتحول جدري من المتعة إلى القدرة، ومن المنفعة إلى المواجهة والصمود. فما يثيره هذا الفن هو تحديدا مشاعر سلبية من قبيل “الخوف الحقيقي والصدمة”،  المقت والنفور والاشمئزاز، مستحضرا هنا معاني كوفكا “بوصفه احد رواد الفن الطلائعي الجدري السلبي الحديث.

        يشيد ادورنو أيضا بالدور الكبير الذي لعبه بودلير في التحول الكبير للفن، إذ معه تحولت زهور الحداثة المستنيرة إلى زهور للشر، باعتبارها عنوانا يفضح القبح والشر المتوارث منذ الحداثة، فمعه تفقد الحداثة أعضاءها الخاصة فتنحل وتتحطم تحت وقع ما يسميه أدورنو “ذوق العدم”، والنفور بوصفها الأسلحة الخاصة ببودلير “بطل استيطيقا الفن للفن”، يقول عنه أدورنو: “إنه من جعل الفن حقنا للسم… ضد قمع الحضارة، ومن فضائله القصوى اكتشافه للفن بوصفه “سلبا متعينا”، وتوقيعه على نحو حاسم “لكارثة المعنى”. لكن إن أعجب ادورنو ببودلير  بكونه أكتشف مقولة القبح، فما يعترضه عليه هو كونه رفع شعار الفن للفن، فضد هذا الشعار يصير شعار استيطيقا القبيح وهو “الفن السالب”، السكون بالمفارقة: فلو تخلى الفن السالب،  عن شيء ما من استقلاليته لسقط حتما في آليات المجتمع القائمة على تحويل كل شيء إلى بضاعة. لكنه من جهة أخرى لو بقي منطويا حول نفسه، منغلقا من دون نوافذ، لصار من الممكن أيضا إدماجه،بوصفه مجالا مسالما مثل بقية المجالات، داخل مساحة التجارة الثقافية ومنطق الهيمنة

        :الموسيقى البديلة عند أدورنو -2

        لقد حول ادورنو فلسفته النقدية ونظريته الجمالية إلى مجال الموسيقى، من أجل صياغة مشروع طموح نحو علم جمال للموسيقى، وقد ظهر هذا واضحا في أبحاثه، ودراساته مثل: الوضع الاجتماعي للموسيقى سنة 1932، ودراسته حول موسيقى الجاز سنة 1936، و فلسفة الموسيقى الحديثة 1949، ثم دراسة حول أعمال فاغنر 1952، واختلافات الموسيقى في العالم السياسي 1956.

        في كاتبه عن “فلسفة الموسيقى الحديثة”، يقدم عرضا جدليا للموسيقار شونبرغ، فالثورة اللانغمية لهذا الموسيقار قد نشأت في سياق تاريخي، يؤدي بفنه لصبغ الثقافة بالصبغة التجارية، إلى القضاء على قدرة المستمع على تقدير الوحدة الشكلية للعمل الكلاسيكي، ولذا فإن الاستغلال التجاري للتقنيات الفنية في السينما والإعلانات والموسيقى الجماهيرية، تدفع الموسيقي إلى إنتاج موسيقى مبعثرة مجزأة تتنكر للقواعد الأساسية للغة الموسيقية (النغمة) نفسها، فأصبح كل صوت فردي مفصولا عن غيره، لا يكتسب معنى من السياق المحيط به. 

        ويأتي افتتان أدورنو بشونبرغ، أحد أقطاب استيطيقا القبح، باعتباره شاهدا على نهاية مقولة التناغم في الموسيقى، “لم يعد التناغم شعارا لأحد اليوم”، هذا الذي لن يقدر أي مقياس على إنكار موسيقاه، المسكون بالتوترات الحادة التي بوسعها إدخال الفوضى إلى العالم بدلا عن الانسجام، وهو ما يتوافق معه أدورنو بقوله: “إن المهمة الحالية للفن هي إدخال الفوضى على النظام”.وفي كتابه فلسفة المويسقى الجديدة الذي خصص فيه فصلا حول “شونبرغ والتقدم” نجده يقول: لقد اتخذت (الموسيقى الجديدة) على عاتقها كل الظلمات وكل ذنوب العالم، وأنها لتجد كل سعادتها في الاعتراض بالتعاسة وكل جمالها في امتناعها عن تجلي الجميل. كما أنها حسب شونبرغ تعبر عن حقيقة ما لكنها لا تنفصل عن وضع الإنسان المعاصر، وهذا يؤكده أدورنو بقوله: “إن النغمات المتنافرة قد تزعج المستمعين،  وهذا مرده إلى أن النغمات هي في حقيقة الأمر تعبير عن وضعهم الخاص”.

        من هنا تعتبر الموسيقى التي يقدمها ادورنو، تجسيدا للتمر د على المجتمع ذو البعد الواحد، وهي في الوقت نفسه تشخص أعراض الضياع، للحرية في المجتمع المعاصر، فقد عمل على تطوير الأفكار التي غيّرت طريقة تناول  العلوم الإنسانيّة للموسيقى من آليّة تعكس الواقع فحسب إلى عنصر فعّال يستطيع أن يطرح نتائج مؤثّرة. بالإضافة إلى تغييره لاتجاه النقاش حول الموسيقى، من التعامل مع العنصر الذي يقود الموسيقى، إلى التعامل مع ما تولّده الموسيقى.فللموسيقى، حسب أدورنو، وظيفتان معرفيّتان:

        ·         الأولى: تجسيد حقيقة الفرد، وعلاقته مع البيئة والمجتمع. تذكّر هذه الوظيفة الفرد بخساراته: الأوضاع المختلفة تحت نظام مختلف، لأن الموسيقى قوّة التقدّم الاجتماعي المتواجدة بمقدّمة المجتمع.

        ·         الثانية: تجسيد العلاقة بين التفاصيل والكلّي، وذلك من خلال وظيفة الموسيقى المجرّدة التي ترسي مثالاً تعليميّاً بديلاً لطريقة ترتيب المواد.

        يعتمد تحليل أدورنو للجماليّات الموسيقيّة على ثنائيّة الموسيقى الجادّة والموسيقى الجماهيرية، مقدّماً مفهوماً متماسكاً للموسيقى الجماهيرية بصفتها جزءاً من الثقافة السّائدة، وأداة من أدوات الهيمنة الآيديولوجيّة للطبقة البرجوازيّة الحاكمة في المجتمعات الرأسماليّة. ويمكن أن نلخص أهم مميزات كل موسيقى على حدة على الشكل التالي:

        موسيقى جادة: (أعمال فنية أشد تحديا)

        ·         فن مستقل يتصف بصفة هدامة تتحدى الوضع القائم بخلاف المنتجات التي تكتفي بالتعبير عن هذا الوضع القائم أو تعززه،  غير أن ما يبديه الفن المستقل من التحدي ليس مجرد احتجاج وسخط على العصر،بل هو الكيفية التي يتخذ بها شكل العمل الفني مواقف معينة بالعلاقة مع المجتمع.يقول أدورنو: “ينبغي أن يغدو الغنى والوفرة هما الجوهر وليس مجرد زخرف وحسب، فلا يظهر الجوهر بعد ذلك على أنه الإطار الصلب الذي تلف عليه الموسيقى، بل تغدو سماته ملموسة وواضحة بكل دقائقها(… )البعد الداخلي ينتقل إلى الخارج”، ما يعنيه أدورنو هنا أن البنى المألوفة التي تلف عليها المظاهر الموسيقية تنحسر وتتراجع، متيحة لغنى الموسيقى الداخلي أن يظهر هو ذاته. فشونبرغ يرفض أن يقدم للمستمعين مقولات مألوفة تعمل على تنظيم استجاباتهم، بل يدفعهم إلى اتخاذ موقف من موسيقاه المنفلتة إلى أبعد الحدود، هو موقف فاعل، يكاد أن يكون شبيها بموقف المؤلف الموسيقي.

        موسيقى جماهيرية:(فن قابل لإعادة الإنتاج)

        ·         موسيقى إنتاجية متشابهة تعمل على ترفيه الجماهير، بدلاً من صدمهم وزعزعة الوضع الراهن، فصناعة الموسيقى لا تضر بوظيفة الموسيقى والثقافة فحسب بل أيضاً بوعي الإنسان، وردود فعله وأنماط تفكيره. وبكلمات أدورنو “الموسيقى الجماهيريّة بشكل موضوعي ليست حقيقيّة وتؤدي إلى عجز في الوعي المستمعين إليها” ، أما نتائجها المباشرة فبتنمية بشر غير مستقلين، وبلا قدرة على الحكم واتخاذ قرارات مدروسة.

        ·         منتج إستهلاكي يعيد إنتاج الواقع من دون مساءلته أو الدفع باتّجاه تغييره.

        ·         يتمركز إنتاجها في منظمتها الاقتصادية، وتتبع نموذج نمطي معين.

        ·         موسيقى تنافسية محاكاتية، من خلال تقليد معايير الأغاني الرّائجة الأكثر نجاحاً، فبمجرد أن تسجّل أغنيّة واحدة معيّنة نجاحاً كبيراً، تنطلق مئات الأغاني الأخرى لمحاكاة الأغنية الناجحة.

        لم يهتم أدورنو بالموسيقى كرمز أو مرآة لواقع ما، بل كآليّة لتمرير وعي قد يكون إيجابيّاً أو سلبيّاً. وبالتالي: ليس هناك فصل بين نهجه وتفكيره حول الوعي في المجتمع الحديث وبين تناوله للفن والموسيقى. بل هي جزء من رؤيته الشاملة حول جدليّة التنوير.ففي مقالته الشهيرة عن الموسيقى الجماهيرية، يجادل أدورنو بأن الإنتاج الكثيف للنصوص الموسيقيّة في السوق الرأسماليّة يميل لفرض قيود على خيال المتلقّي: إذ يتم تنميط النصوص الموسيقيّة من خلال عمليّات تكراريّة دوريّة تشبه عمليات الإنتاج الصناعي، حيث يتم نسخ وإعادة إنتاج الأنماط اللحنيّة والنصيّة الرّائجة تجاريّاً لإرضاء ذوق الجمهور المبرمج سلفاً.في هذا السياق، يرسم أدورنو صورةً للمتلقّي بصفته مستهلكاً سلبيّاً لا يسعي إلا لإعادة استهلاك الأنماط المتكرّرة والمعتادة والمريحة، وذلك للحصول على إشباع حسّي مدفوع برغبة نفسيّة في التماهي مع البنى الاجتماعيّة المسيطرة. وعليه، تدفع الموسيقى الجماهيريّة بالمستهلكين نحو شكل من أشكال الخضوع والإذعان للقيم والمعاني السّائدة، وتعمل على خلق “وعي زائف” من خلال إلهاء الجمهور عن الواقع المزري للمجتمع الرأسمالي.

        في المقابل، يرى أدورنو أنّه يمكن تحدّي الوعي الزائف ومقاومته فقط من خلال فنون لا تخضع لآليّات الإنتاج السائدة، تقدر على كشف حالة الاغتراب الإنساني في المجتمع الحديث، وعيوب النظام الرأسمالي ولا عدالته. يطلق أدورنو على الوعي الذي تنتجه الفنون الجادة اسم: “المعرفة السلبيّة“، وذلك بصفتها نفياً للوعي الزائف الذي تنتجه الفنون السّائدة.


        • الفصل الخامس

          :خاتمة

          ▪إن الفن الحقيقي و الأصيل، من منظور مدرسة فرانكفورت، هو الفن الذي ينفلت من التوظيفات الإيديولوجية، و يستقل بذاته عن الواقع القائم و أجهزته و مؤسساته السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، ليرسم للفرد البشري عالما آخر يكون أقدر على تحقيق آماله و طموحاته وحريته و سعادته

          ▪و ما يؤكد عليه فلاسفة هذه المدرسة، أن وظيفة الفن النقدية هذه لم تعد ممكنة في ظل المجتمعات الصناعية المعاصرة التي جعلت من العمل الفني أداة للدعاية و الإشهار لتحقيق مآربها الإيديولوجية و السياسية، على الرغم من أن بعض الأعمال الفنية، يحسب لها مفكري المدرسة، أنها استطاعت أن تنفلت من سيطرة هذه المجتمعات، و أن تستقل بذاتها، و تضطلع بالمهمة النقدية الموكولة إليها، و هي الأعمال التي جسدتها الحركات الفنية التي ظهرت في بداية القرن العشرين، كالدادئية والسوريالية و التكعيبية في مجال الرسم، و أعمال المؤلف الموسيقي الألماني "شونبرغ أرنولد- Shonberg Arnold" (1874-1951) في مجال الموسيقى، الذي تعبر ألحانه الموسيقية عن احتجاج و سخط على الوضع المأساوي الذي أصبح يعانيه الإنسان المعاصر، على إثر صعود الأنظمة الشمولية، و كذا أعمال الروائي النمساوي "فرانز كافكا-Franz Kafka "(1883-1924) في مجال الأدب، الذي تميزت أعماله الروائية بتصوير قلق الإنسان المعاصر و محاولاته العابثة في البحث عن طريق الخلاص، ثم أعمال الكاتب المسرحي الإيرلندي "بيكيت صموئيل-Beckett Samuel" (1906-1989) الذي كان رمزا من رموز مسرح العبث وأحد أكثر الكتاب تأثيرا في عهده. فهذه الأعمال الفنية، شكلت من منظور مدرسة فرانكفورت، خاصة من منظور أدورنو و ماركيوز، نقدا لاذعا للوضع القائم، الذي أصبح عليه الفرد في علاقته بذاته و وجوده، بعدما قيدت المؤسسات القمعية حريته و إرادته، و بالتالي فقد كانت أعمال هؤلاء متمردة على الواقع القائم و رافضة التصالح معه باعتباره لم تعد له من مشروعية إنسانية و أخلاقية في الوجود.


        • Section 6