Weekly outline

  • الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر

  • تقديم المقياس

    يسعى الفكر الاسلامي الإجابة على سؤال النهضة والتقدم ويبحث في مشاكل وأزمات الأمة الاسلامية، وتقديم الحلول والرؤى والاقتراحات المختلفة من أجل إنشاء منظومة فكرية شاملة واستغلال المقدرات والامكانيات المادية متوفرة في العالم الإسلامي،  وعليه يتم في هذا المقياس التعرف على ماهية الفكر الاسلامي وخصائصه ومصادره ومنطلقاته المنهجية، وكذا تسليط الضوء على جهود المفكرين المسلمين والقضايا الفكرية الراهنة.


    • معلومات عن المقياس والتواصل مع الأستاذ

      الجامعة: أبو بكر بلقايد- تلمسان

      الكلية: العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية

      القسم:  قسم العلوم الإسلامية

      المقياس: الفكر الاسلامي الحديث والمعاصر

      الفئة المستهدفة:  طلبة السنة الثانية لغة وحضارة

      السداسي: الثاني

      اسم الوحدة: استكشافية

      الرصيد: 05        المعامل: 02

      طريقة التقييم:   امتحان   

      الحجم الساعي الأسبوعي: ساعة ونصف (1سا و30 د) محاضرة

      الأستاذة: عطار إكرام

      البريد الإلكتروني: attarikram13@gmail.com  

       التواصل مع الأستاذة: عبر الإيميل، يتم الرد على استفسارات الطلبة بعد تلقي الإيميل أو مساحة التواصل


      • مساحة التواصل

        ·                  


      • أهداف المقياس

        ·                     المعرفة والتذكر: الطلاب في هذا المستوى يستعيدون المعلومات من الذاكرة  واستحضار ما لديهم من ثقافة قبلية  تتعلق بالفكر الاسلامي، باعتباره من العلوم المعاصرة الراهنة  التي تسمح بفهم كثير من القضايا والرؤى والأفكار في الساحة الاسلامية .

        ·                     الاستيعاب والفهم: التمييز بين المفاهيم والمصطلحات كأن يميز الطالب بين  الفكر الاسلامي والاسلامي والثقافة الاسلامية وإدراك الفروق بينهم، كما يقوم الطالب في هذا المستوى بالتعرف على منهج التفكير الاسلامي والرؤى الاسلامية في حل القضايا المختلفة .

        ·                     التطبيق:  من خلال تعرف الطالب على مشاريع النهضة في الفكر الاسلامي وكيف قام المفكرون بتطبيق المعارف الأفكار الاسلامية في اقتراح حلول نهضوية ، تساعد الأمة الاسلامية للخروج من بوتقة التخلف والتراجع الحضاري.

        ·                     التحليل: تحليل مختلف  القضايا والمشاريع النهضوية ودراستها دراسة تقييمية من أجل الوقوف على مواطن القوة والضعف فيها.

        ·                     التركيب: في نهاية هذا الدرس سيكون للطالب القدرة على تقييم وإبداء رأيه وإصدار أحكامه فيما يخص  الفكر الاسلامي،  وكذا تركيب الأفكار والرؤى المختلفة التي تعرف عليها خلال المحاضرات.

        الأهداف

        • المكتسبات القبلية

           عدم وجود تصور دقيق لهذه المادة في المرحلة السابقة

        • المقدمة العامة

          إن التفكير هو عملية ذهنية مشتركة بين العقلاء ، ومنتج هذه العملية يسمى فكرا ، وعليه فإن لكل أمة من الأمم منتج فكري خاص بها ، والأمة الإسلامية من بين هده الأمم ولها منتج فكري ممتد عبر التاريخ وهو ما يسمى فكرا إسلاميا، ويسعى الفكر الاسلامي الإجابة على سؤال النهضة والتقدم ويبحث في مشاكل وأزمات الأمة الاسلامية، وتقديم الحلول والرؤى والاقتراحات المختلفة من أجل إنشاء منظومة فكرية شاملة واستغلال المقدرات والامكانيات المادية متوفرة في العالم الإسلامي،  وعليه يتم في هذا المقياس التعرف على ماهية الفكر الاسلامي وخصائصه ومصادره ومنطلقاته المنهجية، وكذا تسليط الضوء على جهود المفكرين المسلمين والقضايا الفكرية الراهنة.


          الخريطة الذهنية

        • المحور الأول: مدخل إلى الفكر الاسلامي

          مفهوم الفكر الإسلامي

          أ/ مفهوم الفكر: ما المقصود بالفكر:

          جاء في لسان العرب الفكر هو إعمال الخاطر في الشيء.

          وقد وردت مادة (فَكَرَ) في القرآن الكريم في نحو عشرين موضعًا، ولكنها بصيغة الفعل ولم ترد بصيغة الإسم أو المصدر، قال تعالى:(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ)(المدثر:18)، وقال تعالى:(أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ)(الأنعام50)، وقال تعالى:(لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الحشر:21). ففي الآية الأولى وردت بصيغة الماضي “فَكَّر”، وفي الثانية وردت بصيغة المضارع المخاطب “تتفكرون”، وفي الثالثة بصيغة المضارع الغائب “يتفكرون”.

          ويرى ابن سينا في كتابه الاشارات والتنبيهات أن الفكر هو أن ينتقل الإنسان من أمور حاضرة في ذهنه متصورة أو مصدق بها تصديقا علميا أو ظنيا أو وضعا وتسليما إلى أمور غير حاضرة فيه وهذا الانتقال لا يخلو من ترتيب. يعني أن ينتقل الانسان من مقدمات وبديهيات موجودة في ذهنه ويصل بها إلى ما هو مجهول أو مبحوث عنه.

          ويرى أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين أن الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة. و  أبي حامد الغزالي يرى أن الفكر هو عملية مقارنة   وبحث في قضيتين مختلفتين ينتج عنها معرفة ثالثة جديدة من خلال استخدامه لقدرات التحليل والاستنتاج.  

          الفكر: إمعان النظر والتأمل في الأشياء الحسيّة والمعنويّة من أجل الوصول إلى حقيقتها.

          الحسيّة: مثل أن نمعن النظر لمعرفة أسباب صدأ عنصر الحديد.

          المعنويّة: مثل أن نمعن النظر لمعرفة أسباب سقوط الدول والإمبراطوريات. ويغلب أن يُطلق على عمليّة

          2 / تعريف الفكر الإسلامي: تعددت تعاريف العلماء للفكر الإسلامي نذكر منها: ما هو الفكر الإسلامي؟

          -1 راشد سعيد شهوان: الفكر الإسلامي هو المحاولات العقلية والجهود العلمية التي بذلها

          المسلمون منذ انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه لفهم الإسلام وعرضه، ومواجهة المشكلات الواقعة في ضوء أصوله ومبادئه.

           2- أحمد حسن فرحات:الفكر الإسلامي هو نتاج التكامل العقلي المنبثق عن نظرة الإسلام العامة للوجود والمتوافق مع قيم الإسلام ومعاييره ومقاصده.

           3 - محسن عبد الحميد: هو كل ما أنتجه فكر المسلمين منذ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم من المعارف الكونية العامة المتصلة بالله سبحانه وتعالى والعالم والإنسان،  والذي يعبر عن اجتهادات العقل الإنساني في تفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ الإسلامية عقيدة وشريعة وسلوكا.

          4- محمد البهي: " هو المحاولات العقلية من علماء المسلمين لشرح الإسلام في مصادره الأصلية، القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، إما تفقهاً واستنباطاً لأحكام دينية، وإما توفيقاً بين مبادئ الدين وتعاليمه وبين الأفكار الأجنبية، و إما دفاعاً عن العقائد الصحيحة أو رد العقائد المنحرفة.

          يلاحظ من خلال هذه التعاريف: أن الفكر الإسلامي هو الانطلاق من مرجية إسلامية وإعمال العقل في كل ما يتعلق بالوجود في شتى ميادين العقيدة والشريعة والسلوك والفقه والسياسية والاقتصاد والعلوم الكونية العلمية وغيرها،... فهو إذن فكر ينتج لنا معرفة إسلامية.

          و الاسلام حينما دعا إلي التفكر انّما دعا الي العلم و المعرفة و اكتشاف قوانين الفكر و الطبيعة و المجتمع و الحياة و بذلك اعطي الحياة و الحضارة و المعرفة الاسلامية صفة الحركية، و هي سر النمو و التطوير و الفاعلية و البقاء المؤثر في مسيرة البشرية،  كما انها حصانة من السقوط و التوقف و الغياب التاريخي.‏

          ج/ محددات تعريف الفكر الإسلامي: ما هي العناصر التي يجب أن تكون متوفرة في فكر ما حتى نقول عنه أنه إسلامي؟

            إن تعريف الفكر الإسلامي تعريفا جامعا مانعا ينبغي أن يستوعب العناصر التالية:

          1/ الجمع بين عمل الفكر كأداة (منهج) وبين ما ينتجه الفكر من ثمرات. فالفكر يراد به تارة منهج التفكير والطريقة التي يفكر بها المسلمون فهو آلية ووسيلة التفكير فيقال مثلا فلان لديه فكر إسلامي أي أنه يفكر بطريقة إسلامية، ويطلق الفكر تارة أخرى على المعارف والتصورات والمعلومات الناتجة عن عملية التفكير ذات المرجعية الإسلامية.

          2/ أن ينصب الفكر الإسلامي على الناحية التنظيرية التصورية دون العملية السلوكية.  

          3/ أن يُعرف الفكر الإسلامي بأنه فكر موجه ملتزم بتعاليم الإسلام، يدور حولها ويدافع عنها،  

          4/ الفكر الإسلامي هو نتاج تفاعل العقل مع النص )الوحي( ،مما يجعل هذه الاجتهادات فهوما بشرية للنص تختلف باختلاف الزمان والمكان.  

          5/ البحث في المعارف الكونية والعلوم التي تقوم عليها حياة الإنسان على الاكتشاف والابتكار وإعمال العقل

          خصائص الفكر الإسلامي

            الربانية:   إن الفكر الإسلامي رباني المصدر والغاية، والربانية نسبة للرب سبحانه وتعالى، أما كونه رباني المصدر فالمراد به أن هذا الفكر يجعل من الوحي الكريم كتابا وسنة مصدرا يبني عليه أحكامه، ويؤسس منه حججه، وينضبط به في مساره، فما نجده في القرآن الكريم من معارف و أفكار تخص كل ما يوجد في الكون و تخاطب الإنسان من كل جوانبه ومكنوناته لا تأتي إلا من قدرة مقدسة متعالية عن كل ما هو دنيوي، 

          والفكر الإسلامي رباني الغاية، أي أن أهدافه تحقيق غايات الإسلام في الفرد والأسرة والأمة والحضارة والإنسانية، بحيث ينتج المعرفة التي تقود الناس إلى ما فيه سعادتهم في الدارين، كما أنه يتعقب الفكر الإنساني أجمع بما فيه الفكر الإسلامي ويمارس عليه النقد ليبين ما قد يعتريه من خلل في الفهم والاستنباط والتفكير، وما ينبني على ذلك  الخلل من اضطراب في التصرف السلوك.   

          الشمول:

          فالفكر الإسلامي لا يختص بمجال دون آخر، ومرد ذلك إلى شمولية الدين الإسلامي في حد ذاته؛ إذ لما كان الإسلام شاملا لمناحي النشاط الإنساني المختلفة، فرديا وجماعيا، دينا ودنيا، اقتضى ذلك أن يصطبغ الفكر الذي يجعل الإسلام منطلقا له بصبغة الشمول، يقول الله تعالى: "قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" أي أن الإسلام ممتد في حياة الإنسان من الناحية الزمانية بحيث يستغرق جميع حياته، وممتد من الناحية الموضوعية فيستوعب جميع تصرفاته، وفي مختلف مجالات الحياة،  

           الواقعيّة:

          المراد بالواقعية قدرة هذا الفكر على أن يتمثله البشر أفراد وجماعات في حياتهم، فهذا الفكر ليس دون ما يحتاجون إليه فيكون أدنى من طموحاتهم وآمالهم؛ كما أنه ليس فوق طاقتهم وقدرة تحملهم، كما أنه ليس معان مثالية وأحلاما جميلة لا يمكن تحقيقها في عالم الشهادة، ومن أبرز ما يصدق هذه الواقعية أننا لا نجد فيما بحثه الفكر الإسلامي غالبا وخصوصا في عصور الازدهار الحضاري ما لا يستطيع الناس إدراكه والعمل به؛ كما أن أحكام الفقه الإسلامي مبنية على مراعاة الفطرة الإنسانية ومدى قدرتها على التحمل والثبات على ذلك، وهو ما يسميه القرآن بالوسع والاستطاعة: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" " فاتقوا الله ما استطعتم" " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"،  

          كما أن الإسلام جاء مقوما للواقع الإنساني لا مقررا له على ما هو عليه من الباطل والجهل والضلال، فالإسلام لا يترك الناس هملا يعبثون في الحياة كيف شاءوا، بل جاءهم بما يحقق سعادتهم، ويستنقذهم من الجهالة والضلالة إلى الهداية والرشد، قال تعالى:"كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور"؛ وكذلك الفكر الإسلامي  ليس في الأصل فكرا يكتفي بتوصيف أحوال المسلمين وغض الطرف عن انحرافهم وزيغهم، وإنما هو فكر يهدي للحق، يبين الحق ويقود إليه، يفضح الباطل ويحذر منه، بالدليل والبرهان، بل هو فكر يفترض فيه بما يملك من موجهات معصومة أن يستبق الزمن وأحوال الناس فينبه إلى الخلل قبل حدوثه، فإن حدث فقبل استفحاله وانتشاره.

          الوسطيّة والتوازن

          إن المتتبع للفكر الإنساني يلاحظ أن المدارس والمذاهب والمفكرين والعلماء كثيرا ما تنتهي إلى مواقف متعارضة، والسبب في ذلك قصور العقل الإنساني عن إدراك الحقيقة من كل الوجوه؛ وكثيرا ما ينبثق عن تلك الآراء والمذاهب المتعارضة إلى حد التناقض أحيانا رأي أو مذهب يجمع بين المتعارضات، ويقف موقفا وسطا بين تلك الآراء المتطرفة يمينا وشمالا، مبينا أن كل من هذه المذاهب نظر من زاوية فقط، أو ركز على جانب فحسب، وأن الحق يقتضي الجمع بين زوايا النظر، والتأليف بين مختلف الأبعاد؛ وقد يحدث هذا أيضا في الفكر الإسلامي أحيانا وخصوصا حين يحتدم الخلاف ويجمد الفكر وتبرز العصبيات المقيتة للمذهب أو الاتجاه الفكري. أما الفكر الإسلامي فإن من أهم مميزاته الوسطية التي تشمل كل المناحي والمجالات ومن خلالها يستطيع المسلم بناء حضارته التي شادها القرآن والقائمة على أساس من التوازن بين العقل و الروح أي على الأساس المزدوج الروحي والمادي الضروري لكل بناء اجتماعي أهل للخلود، لأن علاقة القلب بالعقل علاقة تفاعلية إذا توازنت أخرجت نظاما فكريا سليما يتماشى و متطلبات الإصلاح، والفكر الاسلامي يضمن تحقيق التعادل و الوسطية بين العقل و القلب و بين العناصر المادية و الوجود الروحي وبين الغاية والسبب وهذه العناصر إذا اختل توازنها في حضارة ما فإنها تبدأ بالتراجع و السقوط، و هذا ما حدث في الحضارة الإسلامية التي غرقت إما في الصوفية الخالصة أو المادية المفرطة، و ها نحن أولاء اليوم نشهد تجربة أخرى تنتهي إلى اختلال آخر فالحضارة الغربية التي فقدت معنى الروح تجد نفسها اليوم على حافة الهاوية، وهذا التوازن هو سنة الله في الأرض  

            الخيرية

          إن الخيرية هو المنهج الّذي رسمه القرآن الكريم للبشر و للإنسانية في كل زمان و مكان فهو مقصد كل الأحكام و التشريعات الواردة في القرآن الكريم فجميعها تهدف إلى إقامة الخير و العدل وبسطه على الأرض قال تعالى: يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ففي هذه الآية أمر من الله تعالى بوجوب فعل الخير ونفع العباد شرط الفلاح فهي عنوان للمنهج الإلهيّ الّذي وضعه الله تعالى في جوهر العقيدة القرآنية،  وقام الفكر الإسلامي لقرون عديدة بنشر هذه الفكرة وكان مداره حب الخير و كره الشر لأن القرآن يريد مجتمعا عادلا يعم فيه الخير على الجميع يقول الله تعالى في سورة النساء   ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ ﴾ هذا مثال عن تشريع إسلامي في توزيع التركة لكنه لم يقتصر على توزيع المال فقط إنما أتبعه   "وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا" وهكذا اكتملت الآية أنفقوا من أموالكم و لكن أضيفوا إلى هذا الإنفاق فكرة أو كلمة أو إشارة تترجم شعوركم و فكرتكم عن الخير هذه الميزة ذات الصبغة الروحية الخالصة لا نجدها سوى في العقيدة القرآنية التي جاءت بمفهوم الخير و نشره ومنه تقليص و إفراغ الهوة التي نجدها بين الطبقات الاجتماعية، فالإنسانية بحاجة ماسة إلى صوت يناديها إلى الخير، وإلى الكفّ عن جميع الشّرور، وإنّها لحاجة أكثر إلحاحًا من سواها، لأنّ الإنسان توَّاق إلى الخير بفطرته، وإنّما تحرمه منه معوقات مختلفة تكوّنها الظّروف الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة أحيانًا، غير أنّه حينما تؤثّر هذه المعوقات في سلوكه فتجعله يكذب أو يسرق أو يظلم أو يقتل فإنّه يشعر بالحِرمان لذلك جاءت الفكرة القرآنية تحمل معها الدعوة إلى الخير العام للإنسانية قال تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير فكان هذا تكليف من الله تعالى بوجوب الدعوة إلى الخير.

           النزعة الإنسانية:  "العالمية"

          الفكر الإسلامي ليس فكراً عنصرياً ولا إقليمياً ولا طائفياً، فهو لا يخدمُ عِرقاً بعينه ولا فئة معينة، قال الله تعالى:" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"  ونجد كلمة "الإنسان" تكررت في القرآن (63) ثلاثاً وستين مرة وكلمة "الناس" تكررت (240) مئتين وأربعين مرة،

          هذه النزعة الإنسانية الأصيلة في الإسلام هي أساس هام لمبدأ الإخاء البشري، ومبدأ المساواة الإنسانية العام الذي دعا إليه الإسلام، وهي أساس هام كذلك لمبدأ الحرية الذي قرره الإسلام، ومرد هذه النزعة إلى عقيدة التكريم التي بها يكون الإنسان محفوظ من النزعات العنصرية الموجودة في طينة البشر، ومن أن يقع في العبودية والاستعباد لأنه ببساطة يدرك قيمته وقيمة الآخرين، وبهذا جاءت عقيدة التكريم بقيمة عالية من العدل المطلق والمساواة الكاملة والحق والإنصاف، فيستوي في هذا التكريم كل الخلق بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو عقيدتهم.

           الجمع بين الثبات والمرونة:  

          ومن الخصائص التي يتميز بها الفكر الإسلامي والتي لا توجد في شريعة سماوية ولا وضعية: "التوازن بين الثبات والتطور" أو "الثبات والمرونة"، والثبات يدل على الخلود، والمرونة تدل على التطور وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين وآية من آيات خلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان، ويتجلى هذا الثبات في المصادر الأصلية القطعية للتشريع المتمثلة بالكتاب والسنة وتتجلى المرونة في "المصادر الاجتهادية" التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها ما بين موسع ومضيق مثل: الإجماع والقياس والامتحان والمصالح المرسلة وأقوال الصحابة وشرع من قبلنا.

          كما نجد الثبات يتمثل في العقائد الأساسية والأركان العملية الخمسة والمحرمات اليقينية وأمهات الفضائل وفي شرائع الإسلام القطعية، كما تتجلى المرونة في الوسائل والأساليب وفي الفروع والجزئيات والشؤون الدنيوية والعلمية. وإذا كان بالمثال يتضح المقال، فلا بأس أن نذكر هنا مثال لتوضيح ما قلناه: يتمثل الثبات في مثل قوله تعالى في وصف مجتمع المؤمنين: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [لشورى:38]، فلا يجوز لحاكم ولا لمجتمع أن يلغي الشورى؛ لأنه من الثوابت الإسلامية، وتتمثل المرونة في عدم تحديد شكل معين للشورى إنما يُتركُ للناس وزمانهم ومكانهم.

          الإيجابية:

          إن الفكر الإسلامي يدفع الإنسان أن يكون إيجابيا مستبشرا في نظرته للمستقبل و أن يكون فعالا في المجتمع يسعى إلى نهضة الأمة ويقدم كل ما لديه في سبيل ذلك، فلا يؤمن بالمستحيل ويعلم أن وعد الله حق وأن بعد العسر يسرا لا محال.


        • المحور الثاني: مصادر الفكر الاسلامي

           

          1/ الوحي: ينطلق الفكر الإسلامي من نصوص الوحي كتابا وسنة ومن مقاصدهما وسائر الأحكام والمبادئ والقواعد التي انتزعت منهما في سبيل بناء الرؤية الإسلامية في مختلف شعب الحياة الإنسانية العقدية و الاقتصادية و السياسية والتربوية والقانونية؛ ولذا يعتبر الوحي بشقيه (الكتاب والسنة) المصدر الرئيس للفكر الإسلامي؛ وقد أجاب الفكر الإسلامي في مختلف عصوره عن إشكالات عدة في المجالات المذكورة، تمثلت في جملة العلوم والأفكار التي ما فتئت تتبلور وتتأصل بداية من القرن الثاني للهجرة كالفقه وعلوم الحديث وعلم الكلام وغيرها من العلوم؛ ويمكن الاصطلاح على ما انتزع من أحكام وقواعد ومبادئ ومقاصد من الوحي وتسمى (سنن الهداية).

          2/ : العقل: إن العقل هو الآلة التي بها يفهم الواقع الذي نعيشه في كل أبعاده، كما يفهم به الوحي المبارك، ومبنى الاجتهاد الإنساني في الفكر الإسلامي على هذين الضربين من الفهم كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، إضافة إلى أن العقل المسلم يجتهد في ما لا نص فيه بالاعتماد على المصالح والمفاسد الشرعية جلبا للأولى ودفعا للثانية، كما نجد مساحة للعقل متمثلة في جانب الاجتهاد.

          3/   الكون: لا يشمل الفكر الإسلامي الإنتاج الذي يتناول الإسلام كدين موضوعا له فحسب، بل يشمل كل إنتاج ينطلق من الإسلام كمرجعية تحدد رؤيته الكلية،- ولذا يعتبر الكون مصدرا للفكر الإسلامي،   ويشمل الكون في الرؤية الكونية التوحيدية: الكون الطبيعي(سنن الآفاق) وذلك بمعرفة القوانين الكونية الطبيعية في السماوات والأرض والحيوان والنبات والإنسان لاستخراج آيات الله تعالى فيها، ومعرفة السنن الحاكمة لها، وتسخيرها في إعمار الأرض وتحقيق الاستخلاف. ﴿فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا﴾  فاطر: 43 .

          كما يشمل الكون الإنساني (سنن الأنفس) وذلك بدراسة الإنسان والمجتمعات لمعرفة سنن قيام الحضارات وسقوطها، وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من الخبرة الإنسانية وما أنتجه العقل البشري  شريطة ألا تتعارض مع الرؤية التوحيدية نصوصا ومقاصد؛   لكن لا يمكن اعتبارها   مصدرا ثابتا للفكر الإسلامي لأنه إنما يأخذ منها ويرد بما يتوافق مع الرؤية الإسلامية   فليس كل ما أنتجه العقل البشري –ولو حقق نجاحا في مهده وظروف تلك المجتمعات- بمصدر للفكر الإسلامي بحيث نأخذه ونطبقه، بل الميزان في ذلك هو الوحي المعصوم نصا ومقصدا؛ ويضيف البعض إلى ما ذكرنا من مصادر تراث الأمة الإسلامية وثقافة الشعوب الأخرى؛ والذي نراه أن تراث الأمة جزء من الفكر الإسلامي فلا يكون الجزء من الشيء مصدرا له، وأما ثقافة الشعوب فتستوعبها الخبرة الإنسانية باعتبارها رافدا من روافد الفكر الإسلامي لا مصدرا له.

          وهذه المصادر الثلاث التي ذكرناها تعتبر مصادر ثابتة لا يمكن الاستغناء عنها فكل عملية تفكير لا تخلو من استعمالها أو الرجوع إليها إلا في ما ندر، لذلك لم نذكر المصادر الأخرى التي ذكرناها سابقا وأضافها بعض العلماء لأنها مصادر غير أساسية وغير ثابتة.


        • خاتمة

          يعتبر الفكر الاسلامي من العلوم الشائعة وأصبح رائج الاستخدام في الأوساط الأكاديمية والاجتماعية وهو يقوم على مجموعة من الخصائص الأساسية ويعتمد على مجموعة من المصادر الرئيسية  ليكون منتجا فكريا اسلاميا يحقق التقدم 

        • قائمة المراجع

          محسن عبد الحميد، تجديد الفكر الاسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

          محمد البهي، الفكر الاسلامي في تطوره، مكتبة وهبة القاهرة، 1981.

          راشد سعيد شهوان، محاضرات في الثقافة الاسلامية.