ثانيا: المنظومة العقدية في القرآن الكريم.

إن القرآن الكريم في رؤيته للعقيدة لا يكتفي بوصف مضامين العقيدة وتقرير ما يجب الإيمان به من مفرداتها، بل يهتم بجانب الأدلة ومسالك الإثبات، وطرق الرد على المنكرين، ووسائل تعاهد العقيدة، وقواعد فهم النص المؤسس لها، ويمكن تلخيص المنظومة العقدية في القرآن في القضايا الآتية:

أ- موضوعات العقيدة في القرآن الكريم:

هي مجموع القضايا التي كلفنا الشارع التصديق بها، كالإيمان بوجود الله تعالى، ووحدانيته، وصفاته، وتنزهه عن مشابهة المخلوقين، والإيمان بالأنبياء والرسل، والكتب المنزلة ، والملائكة، والقدَر، والحياة البرزخية والأخروية. وتُلَخَّصُ في محاور التوحيد والنبوة والبعث، قال الغزالي: "أصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله، وبرسوله، وباليوم الآخر، وما عداه فروع"[2]، وقال الشاطبي: " وغالب المكي أنه مقرر لثلاثة معان أصلها معنى واحد وهو الدعاء إلى عبادة الله تعالى.

أحدها: تقرير الوحدانية لله الواحد الحق، غير أنه يأتي على وجوه، كنفي الشريك بإطلاق، أو نفيه بقيدِ ما ادعاه الكفار في وقائع مختلفة من كونه مقربا إلى الله زلفى أو كونه ولدا أو غير ذلك من أنواع الدعاوى الفاسدة.

 والثاني: تقرير النبوة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إليهم جميعا، صادقٌ فيما جاء به من عند الله، إلا أنه وارد على وجوه أيضا، كإثبات كونه رسولا حقا، ونفي ما ادعوه عليه من أنه كاذب أو ساحر أو مجنون أو يُعَلِّمُه بشر أو ما أشبه ذلك من كفرهم وعنادهم.

والثالث: إثبات أمر البعث والدار الآخرة، وأنه حق لا ريب فيه بالأدلة الواضحة، والرد على من أنكر ذلك بكل وجه يمكن الكافر إنكاره به، فَرَدَّ بكل وجه يُلزم الحجة ويبكت الخصم ويوضح الأمر.

فهذه المعاني الثلاثة هي التي اشتمل عليها المنزل من القرآن بمكة في عامة الأمر، وما ظهر ببادي الرأي خروجه عنها فراجع إليها في محصول الأمر، ويتبع ذلك الترغيب والترهيب والأمثال والقصص وذكر الجنة والنار ووصف يوم القيامة وأشباه ذلك "[3].



[1]- ينظر : عبد الحميد مومن، التأصيل القرآني للعقيدة عند الإمام أبي الحسن الأشعري، ص:57.

[2]- الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، ص:21.

[3]- الشاطبي، الموافقات، ج3، ص416.