ب- مسالك إثبات العقيدة في القرآن الكريم:
تجمع مسالك القرآن لإثبات قضايا العقيدة في:
- المسلك الفطري: معنى الفطرة هو الخلقة، قال الأصفهاني: « وفطر الله الخلق وهو إيجاده الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال، فقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم:30] فإشارة منه تعالى إلى ما فطر، أي: أبدع وركز في الناس من معرفته تعالى، وفطرة الله هي ما ركز فيه من قوته على معرفة الإيمان، وهو المشار إليه بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] ».[1]
وفي التأسيس لهذا المسلك من القرآن يأتي قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } [الأعراف: 172، 173]. والمعنى أن الله تعالى أخرج من أصلاب بني آدم نسلهم على ما يتوالدون قرناً بعد قرن، ونصب لهم دلائل ربوبيته، وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها[2].
ومن أمثلة اعتماد القرآن على المسلك الفطري استنهاضه للفطرة النفعية في الإنسان، ويقصد بالفطرة النفعية ما جبل عليه الإنسان من نزوع فطري إلى تحصيل المنفعة، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] ففي الآية استنهاض لفطر الناس التي تنزع بهم إلى الحرص على عدم اختلال الحياة، فتدفعهم بموجب ذلك إلى الإيمان بالله تعالى، يقول ابن عاشور في تفسير الآية: "وفي هذه الآية دليل على أن الله أبلغ الإنسان من يوم نشأته التحذير من الضلال والشرك، فكان ذلك مستقرا في الفطرة"[3].
- المسلك العقلي: وهي البراهين العقلية التي أتى بها القرآن لإثبات التوحيد ونفي الشرك.
- المسلك النقلي: ويدخل فيه ما يثبت بطريق النقل فقط، وهي السمعيات كأحوال اليوم الآخر والصفات الخبرية.
[1]- الأصفهاني، مفردات القرآن، ج02، ص198.
[2]- البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ج03، ص41.
[3]- ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج16، ص332.