تتمة: منهج القرآن في إثبات وحدانية الله تعالى
. دليل التمانع: يؤخذ أيضا من قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، ويسمى: " برهان التمانع أن جانب الدلالة فيه على استحالة تعدد الإله هو فرض أن يتمانع الآلهة، أي يمنع بعضهم بعضا من تنفيذ مراده "[1]، وجه دلالته على وحدانيته سبحانه: أنه لو كان فيهما إلهان لم يخل الحال إذا اتجهت أفعالهما إلى نفس المحل في نفس الوقت:
- إما أن يكون كل واحد منهما قادرا على نفس ما يقدر عليه الآخر، وهذا لا يصح لأنه لا يجوز أن يفعل كل واحد منهما ما يقدر عليه الآخر إلا بترك الآخر له، لاستحالة أن يصدر الفعل من فاعلين في نفس الوقت وفي محل واحد، وإذا كان كل واحد منهما لا يفعل إلا بترك الآخر له جاز أن يمنع كل واحد منهما صاحبه من ذلك، ومن جاز أن يُمنعَ ولا يفعل إلا بترك الآخر له فهو عاجز، والإله لا يكون عاجزا.
- وإذا كان كل واحد منهما لا يقدر على فعل نفس ما يقدر عليه الآخر وجب عجزهما وحدوث قدرتهما، والإله لا يكون عاجزا، فدل ذلك على أن موجد هذا الكون واحد[2].
ويؤخذ دليل التمانع أيضا من قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [المؤمنون:91]
يقول ابن عاشور في تفسير الآية: " فقوله: إذا لذهب كل إله بما خلق استدلال على امتناع أن يكون مع الله آلهة "[3]، وتفصيل الدليل أنه: " لو كان معه آلهةٌ كما يزعمون لذهبَ كلُّ واحدٍ منهم بما خلقَه واستبدَّ به، وامتاز ملكُه عن مُلك الآخرينَ، ووقع بينهم التَّغالبُ والتَّحارُبُ كما هُو الجاري فيما بينَ المُلوكِ، {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} فلم يكن بيدِه وَحْدَهُ ملكوتُ كلِّ شيءٍ؛ وهو باطلٌ لا يقولُ به عاقلٌ قط "[4].
ومن الآيات الدالة على نفس المعنى أيضا قوله سبحانه: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } [الإسراء: 42، 43]
[1]- ابن عاشور محمد الطاهر، التحرير والتنوير، ج17، ص41.
[2]- عبد الحميد مومن، التأصيل القرآني للعقيدة، ص:126.
[3]- ابن عاشور محمد الطاهر، التحرير والتنوير، ج118، ص114.
[4]- أبو السعود العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج06، ص148.