منهج القرآن في إثبات وحدانية الله تعالى

خامسا: منهج القرآن في إثبات وحدانية الله تعالى.

دلت آيات كثيرة في القرآن على إثبات عقيدة التوحيد لله تعالى، على منهج التقرير والإخبار، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، وفي معرض إقناع العقول بعقيدة التوحيد سلك القرآن مسلكا عقليا من مثل قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] وقوله سبحانه: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [المؤمنون: 91]، وهاتان الآيتان عليهما مدار أدلة المتكلمين في مسألة الوحدانية، يقول أبو الحسن الأشعري: "وأما الكلام في أصول التوحيد فمأخوذ أيضا من الكتاب، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وهذا الكلام موجز منبه على الحجج بأنه واحد لا شريك له، وكلام المتكلمين في الحجاج في التوحيد بالتمانع والتغالب فإنما مرجعه إلى هذه الآية وقوله عز وجل: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [المؤمنون: 91] وإلى قوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } [الرعد: 16]"[1]. ومن الأدلة القرآنية في إثبات الوحدانية لله تعالى:

1.دليل النظام: يؤخذ من قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وجه دلالته على وحدانيته سبحانه: أنه لو كان في السماوات والأرض آلهة أخرى ولم يكن جميع من فيها ملكا لله وعبادا له؛ لفسدت السماوات والأرض، واختل نظامهما الذي خلقتا به، لأن الفساد هو اختلال النظام وانتفاء النفع عن الأشياء[2]، وهذا الدليل ينبني على مقدمتين يقينيتين: أحدهما فطرية والأخرى حسية، أما الأولى فقد علم بداهة أن اجتماع فعلين على محل واحد يصير إلى فساد المحل، لإمكانية الاختلاف في الفعل والإرادة، وإن اتساق هذا الكون يستلزم وحدانية القدرة والإرادة والعلم، والمقدمة الحسية تأتي من أن انتظام هذا الكون وتركيبه على نحو بديع محكم يؤدي به إلى الغاية التي من أجلها خلق، هذا الأمر مشاهد محسوس لا يحتاج إلى استدلال، فإذا ثبت أن السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، وأنهما لم تفسدا، دل ذلك على أن ليس فيهما إلا الله.



[1]- أبو الحسن الأشعري، رسالة استحسان الخوض في علم الكلام، ص40.

[2]- ابن عاشور محمد الطاهر، التحرير والتنوير، ج17، ص38.