المحاضرة الثالثة: الاتجاه الرومانسي
تمهيد
الرومانسية- Romantisme من المذاهب الأدبية الفنية الأكثر ذيوعا في العالم، وهي مشتقة من كلمة: Roman التي تعني حكاية أو رواية تكتب شعرا ونثرا، أخذت أصولها الاصطلاحية في العصر الوسيط في القرن الثاني عشر في ألمانيا ظهر أول مرة الإصطلاح "رومانتيك" يطلق على كل ما هو خارج عن القواعد المألوفة للفن والأدب مما هو محاكي للغات القديمة، لذلك جاءت مقابلا ندا لاصطلاح "كلاسييك" وتمتدّ جذورها للعصر الإليزابيثي في أدب شكسبير المسرحي الذي عبّر من خلاله عن رؤى عصره مع إبراز خصال أو صفات إنسانية عامة لها علاقة بعصرنا الحديث لذا أطلق عليه شاعــــــر الحداثة، وإن لم يكن آنذاك قد عرف المصلح لكن فحواه في النزعة الرومانسية موجود لكل ما هو مغامرة وحب وشاعرية، وأيدت شعراء التجديد ممن خرجوا عن قواعد التقليد لآداب القدامى وذمّت شعراء الكلاسيكية، بظهور صراع عنيف بين أنصار القديم وأنصار الحديث في نهايات القرن السابع عشر مهّد لظهور الرومانسية مذهبا أدبيا وفنيا مستقلا بذاته ذي خصائص معروفة، مستخلصة على المستوى النقدي من مجموع حركة النهضة الأدبية والفنية عموما والأدب المسرحي في سياقنا الدراسي بصفة خاصة والتي انتشرت في أوروبا في أعقاب المذهب الكلاسيكي. وكان من العيب أن تنطق كلمة رومانسي أو ينعت الشاعر نفسه بكينونة رومانسي - لأن ذلك يقلل من مقامه العاجي ويحط من مستواه الفكري إلى تلك الركاكة الشعرية التي عرفها الأدب الفرنسي في فترة معينة من الزمن - حتى أواخر القرن الثامن عشر وبالضبط في عام 1818م أعلن الشاعر "ستندال" بكل قناعة قائلا: أنا رومانسي، إنني مع شكسبير ضد راسين، ومع بايرون ضد بوالو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-شكري محمد عياد، المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-الكويت، 1993، ص55
وفي هذا القول ما يبرّر الموقف العدائي للرومانسية من أنصار الكلاسيكية ولنا أن نعرف فيما يلي مناصرة الرومانسيين لكتابات شكسبير بدل راسين وتأييدها لأفكار بايرون بدل بوالو، وفي هذه الجملة أيضا ما يفصح عن مبادئ الرومانسيين تيارا فنيا مستقلا في الأدب المسرحي، وكانت الانطلاقة الكبرى للمذهب الرومانسي في نظرية مقنّنة ومؤصّل لها مع نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع الذي قلب موازين الذهنية الكلاسيكية، وكما يمكننا التعريف بالكلاسيكية ــــ حسب قول هنري بيرـــــ أنها انتصار على رومانسية كامنة سابقة، فإن الرومانسية تكمن في الكلاسيكية المنتصرة1.
-أصول نشأة المذهب الرومانسي والدراما الرومانسية:
ساهمت الرومانسية في تغيير وجهة الأدب الفرنسي وساعدها في ذلك الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية وانتشار الديمقراطية مما أعطى للفرد الحرية وحب التغيير لا على مستوى النظام فقط بل تعدّاه إلى روح التغيير في المصادر الثقافية لتغيّر الذوق الأدبي والفني للمجتمع وبحثه عن مصادر أخرى تلبّي حاجة المجتمع في التغيير، خاصة وعصر الثورة الفرنسية في نهايات القرن الثامن عشر، لتبدأ حياة جديدة لبنية الأدب والفن بنشأة المذهب الرومانسي ليشهد قمة ازدهاره في بدايات القرن التاسع عشر خلفا للمذهب الكلاسيكي بأفكار جديدة ومبادئ مغايرة انسجاما وروح التغيير في فكر المجتمع الأوروبي عموما حيث "ظهر في الطبقة البرجوازية والوسطى أدباء وفنانون، ولكنهم، بسبب تأثير المبادئ الثورية الجديدة لم يتجهوا إلى النخبة النبيلة أو المثقفة ولا إلى القصور والحكام بل إلى سوق الشعب، وهجروا اللغة النبيلة المتكلفة ولغة الصالونات الأدبية، وذلك تجددت الأساليب والمفردات والأجناس، وحل مفهوم الفرد محلّ المفهوم الكلاسيكــــي للإنسان"2 وقد استغـــــرق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ينظر: المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، م ن، ص128
2-م ن، ص58
ظهورها مدة طويلة حوالي قرن من الزمن من النصف الثاني للقرن السابع عشر إلى نهايات القرن الثامن عشر.
ولا نكران في كون الرومانسية نشأت من رحم الكلاسيكية ويظهر ذلك واضحا في معالم رونسار لإرساء النظرية الكلاسيكية من خلال كتابه الشعر والتي تضمّنت تمهيدا لظهور ملامح التيار الرومانسي خاصة في بحثه لإدخال كلمات من طبقة الصناّع الحرفيّين في لغة الشعر الدرامية. وبالفعل هذا أهم بند من البنود للاتجاه الرومانسي الجديد آنذاك لغة تنزل إلى البساطة التي وجدوها في مزج لغة الشعر بالنثر لغة قريبة من حياة الميزاجية العامة والتي تلبي الذوق الأدبي الجديد بالإضافة إلى آراء بايرون (1824) بدايات القرن الثامن عشر في ضرورة البحث عن لغة جديدة تتماشى والوضع المتغيّر للعصر لأن مسألة الذوق الشعري نسبية وليست مطلقة قابلة للتغيير والتطوير حسب التطور الزمني والاجتماعي، وتبعه في ذلك "شاتوبريان" الذي يعتبر أب الرومانسية الفرنسية عن استحقاق وجدارة، ومدام دو ستيل وشارل نودييه وغوتيه ولامارتين وهيغو وروسو، وغيرهم ممّن قادوا ثورة حرّرت الأدب والمسرح من سيطرة قواعد الاتجاه الكلاسيكي "فإزاء التحوّلات الفكرية والاجتماعية في نهاية القرن الثامن عشر تجمّدت الأشكال الأدبية الكلاسيكية"1 وهم من أوائل الرومانسيين، إضافة إلى سكوت ووكولردج ووردزورث وشيلي الذين أصبحوا أعلام الرومانسية، فهم فئة لايستهان بها ممن كانوا كلاسيكيين اندمجوا مع الوقت في صف أنصار المذهب الرومانسي .
وهكذا انتشر هذا الاتجاه في كل أنحاء أوروبا فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وبعدها انجلترا وروسيا إلى العالم العربي خاصة في مصر وظهر ألمع كتاب الرومانسية لاحتكاكهم بثقافة الغرب وتعلّمهم بجامعاتها خاصة جامعة السربون المهجر التكويني الأدبي الذي تخرج منه عمالقة الأدب العربي وكذا الحال يتطابق ومفهوم الرومانسية العربية في المهجر الأمريكي، وعلى هذا الأساس التكويني والتعليمي يمكن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-فيكتور هيغو، مقدمة كرامويل- بيان الرومانتيكية، تر: علي نجيب إبراهيم، دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1994، د ط، ص18
فهم الرومانسية العربية التي انتشرت في العالم العربي مع بداية القرن العشرين أي متأخرة مقارنة بتاريخ ظهور المذهب الرومانسي في أوروبا وأمريكا لأنها "انحصرت في مقاومة الأدب التقليدي، والرجوع إلى الذات .. من هذا المنطلق تأتي دعوة خليل مطران وغيره من الشعراء إلى تحرير الشعر العربي من قيوده وتطعيمه بمذاهب الشعر الغربي، وخصوصا الفرنسي، ومن هذا المنطلق تفهم مدرسة أبولو التي أسّسها أحمد زكي أبو شادي في مصر، ومدرسة الديوان التي أسسها العقاد والمازني وشكري. ومن هذا المنطلق أيضا يفهم شعر بدر شاكر سياب، وإيليا أبو ماضي وإلياس أبو شبكة وأبو القاسم الشابي وغيرهم"1.
- عوامل ظهور المذهب الرومانسي:
ومن أهم العوامل التي ساعدت على بزوغ الرومانسية وازدهارها مايلي:
1-إرادة التغيير: لقد كانت للرومانسية جذورها الخفية في كتابات رونسار الشعرية وكأنه يمهد لظهورها من دون أن يعلم وهو جد الكلاسيكيين ، ألم يكن موليير رومانسيا في القرن السابع عشر وحتى أنه كان من الشعراء غير الفرنسيين من سبقوهم إلى الرومانسية مثل الشعراء الألمان غوتيه وشيلر وليسنغ ممن غيروا وجهة الأدب الفرنسي وقد أكدت مدام دوستايل على هذا في كتابها "من ألمانيا". ولا نجد عيبا في ميولهم الفطري هذا فقد جاءت الرومانسية في أحد جوانبها العميقة ردا على التيار الإنساني Humanistes في نظرتهم لضرورة الإتصال بالمنابع الثقافية القديمة وعزوف أدباء النهضة عن كل ما هو محلي أو وسيطي. فالرومانيسية إذن ثورة على المحاكاة الكلاسيكية .
2-متغيّرات العصر: كان للثورة الفرنسية ومن بعدها – حوالي أكثر من عشرين سنة - الثورة الصناعية والعلمية وفي أعقابهما الثورة الاقتصادية التي عمّت كل نواحي أوروبا دور كبير في تغيير أوجه الثقافة الفرنسية والأدب الفرنسي والنقد الأدبي عموما بما فيه النقد التمثيلي، وهي الفترة الموازية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-فايز ترحيني، الدراما ومذاهب الأدب، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت-لبنان، ط1،1988، ص 184
لنهايات القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر أين ظهر فيها البطل الرومانسي في الدراما واضح المعالم فيه مواصفات الحب والشعر والجمال والفطرة الطبيعية لروح الانتماء فيه لعصره لا عصر غيره ، فالرومانسية "صورة صادقة للاتجاهات الوطنية، ووسيلة للتحرر من ربقة القيود الاجتماعية والفنية ، وهي اتجاه فني في الأدب يتميّز أساسا بطغيان العاطفة على ماعداها من مقومات"1 خدمة للغرض العاطفي وهو عادة انتصار البطل الرومانسي في مقابل الخصم الند قد يكون ممثل بشخص بعينه أو بنظام معين أو عرف اجتماعي مضاد لقيم الحب والجمال.
3-انتشار الديمقراطية : خلفت مباديء الثورة الفرنسية الكبرى 1789م والحروب المدمّرة وانحلال نظام "نابليون" من بعدها مفاهيم الديمقراطية التي ساحت في أرجاء أوروبا خاصة في فرنسا حيث ظهر في الطبقة البرجوازية والوسطى أدباء وفنانون اتجهوا إلى لغة السواد الأعظم من الشعب والإحساس بمعاناتهم وهجروا اللغة النبيلة ولغة الصالونات الأدبية الكلاسية بتعبير هنري وبذلك تجدّدت الأساليب والمفردات والمصطلحات والأجناس، وحل مفهوم الفرد محل المفهوم الكلاسيكي للإنسان، وتغيرت لغة الدراما وأخذت شعريتها البسيطة من لغة النثر وتغير معها مفهوم البطل الدرامي إلى شيء من البساطة ومفهوم أسطورة عظامية الأشخاص في المسرح الكلاسيكي.
-روّاد الرومانسية:
-شاتوبريان-Chateaubriana (1778-1848) وهو من المبكرين الممهّدين للرومانسية حين كانت هذه التسمية غير موجودة وقتها، ويعدّ الأب الروحي للمذهب الرومانسي إلى جانب بايرون، عاصر حكم لويس الثامن عشر وتميز شعره بنزعة دينية وهي صفة الشعر الرومانسي ذو نزعة كنسية غالبا، وهو من الطبقة الأرستوقراطية وله كتاب موسوم بــ: "عبقرية المسيح "1809م رجع فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ينظر: س و.داوسن، الدراما والدرامية، تر: جعفر صادق الخليلي مرا وتق: عناد غزوان إسماعيل، منشورات عويدات بيروت- باريس،ط2،1989، ص177
فيه إلى العصر الوسيط بعد أن انصرفت الأنظار عنه وأثبت الجدارة المسيحية من الناحيتين الاجتماعية والمسيحية، وجدّد في النقد الأدبي من نقل الغلاط والعيوب إلى النقد الجمالي فربط بذلك بين الثر الأدبي والحالة الحضارية والميزاجية العامّة التي تعدّ أهم ركيزة في الاتجاه الرومانسي، وقد سبقته مدام دوستايل في ذلك، مع فارق وحيد بينهما هو أنه طبع دراساته النقدية بالعببقرية المسيحية التي أسقطها على ذوق عصره أكثر من تعويله على النظريات المعرفية السابقة، وبذلك يكون حسم في خصومة الأدب القديم والأدب الجديد لصالح الحديث.
-مدام دوستيل- Mme De Staél (1766-1817)
كان للسيدة دوستايل إسهام كبير في تغير الذوق الأدبي ناحية الرومانسية، حيث ركزت في دراساتها الأدبية والنقدية على مبدأ الحرية ونبذ القيود وأكيد كانت تقصد قواعد الكلاسيكية التي سيطرت على المفكرين الأدباء والشعراء المسرحيين في ذلك الوقت، وفتحت باب الجدل في علاقة الأدب بالمجتمع في مؤلفها "من الأدب"، وفي كتاب آخر "من ألمانيا"1800م تضمّن فصولا نقدية من الشعر والرومانسية، دعت لربط العمل الأدبي بشروط البيئة لأن الفنان في الأول والأخير ابن بيئته حتى في تماهيه بروائع أدبيات التراث القديم، تعرضت فيه للنقد عند ليسنغ وشليغل، كما قدمت للفرنسيّين أبرز الشعراء الألمان مثل غوتيه وشيلر والأدباء الروس والإنجليز بحيث كانت مدام دوستال "صلة الوصل بين الأدبين الألماني والفرنسي، كما يمكن اعتبار مؤلفاتها فاتحة عصر أدبي جديد بدأ مع مطلع القرن التاسع عشر، وهو عصر فيكتور هيغو"1العصر الذهبي للمذهب الرومانسي.
كما أنها مهّدت لشتوبريان الطريق للرومانسية كما أكملت آراءه، وأدخلت للنقد مفهومي النسبي والتاريخي، منتقدة بذلك "الكلاسيكيين الفرنسيين المتأثرين بفلسفة ديكارت ورياضيّاته ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-فيكتور هيغو، مقدمة كرامويل، بيان الرومانتيكية، م ن، ص18.
اعتقدوا أن صفات الجمال ثابتة لا تتغير بتغير الزمن والموضوع، فأرادوا أن يحققوا هذه الصفات كما تحقق في أكمل النماذج التي وجدوها، في فن اليونان والرومان" لا في الآداب ومختلف أجناسه الفنية من مسرح وشعر ورواية وقصة وفن للمقامات بل في مجالات أخرى شملت فن العمارة والتصوير والنحت إلى غيرها كل ما هو قابل للمحاكاة.
خصائص المذهب الرومانسي:
-نقد الوحدات الثلاث باسم المعقول وباسم اللون المحلي، هو النتيجة الأولى لمفهوم الدراما التاريخية التي ثارت على مبادئ المسرح الأرسطي، الذي هو مفهوم فيكتور هوغو ومن سبقوه، وهو المقنّن الأوّل لقواعد الدراما الرومانسية في مقدمته كرامويل، والواقع أنّ أوّل شيء لفت انتباهه هو وحدة الزمان والمكان فمن غير المعقول أن تجري الأحداث في أربعة وعشرين ساعة أي دورة شمسية واحدة وفي مكان واحد، لذلك أسقط وحدتي المكان والزمان واحتفظ بوحدة الموضوع، بحيث "تشخّص الفكرة بأشخاص عديدين، يوضحون المظاهر المختلفة، بمجموعة من المناسبات تبرز غناها وتنوّعها، وكل هذا يصعب إدراكه إذا احتفظ بالوحدات"1.
-المزج بين الأنواع المسرحية من مأساة وملهاة إلى التراجيكوميدي، وضرورة تنويع اللهجة لينتج عن هذا تأثير المتناقضات المفيد للجمال الفني، وهذا هو طابع الحياة ألم وفجائع وهزل وضحك.
-أبطال الدراما الرومانسية شخصيات عادية، ممتزجين في صميمهم بالخير والشر، لا هم بأولئك الأبطال الأسطوريين، بل يجب أن يكونوا كغيرهم من الناس، متنوعي الطباع ، معقدين، طيبين تتوافق والشكل الطبيعي للمجتمع "فلا يكفي أن نصنع شيئا حقيقيا على الصعيد التاريخي، بل يجب أن نصنع شيئا حقيقيا على المستوى الإنساني...ينبغي أن تكون مادة الدراما ن الطباع، ولما كان التنويع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ينظر: فيليب فان تيغيم، المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، م ن، ص 214
في العمل هو الذي يبرز صفة الطباع المعقدة، فإننا نصل بهذا إلى ضرورة المزج بين الأنواع ونقد الوحدات"1 في السياق التعبيري لفيكتور هيغو على أن تبقى الدراما عملا فنيا خالصا، وميّز بدقة بين الواقعية وفق الطبيعة والواقعية وفق الفن .
- توظيف لغة النثر إلى جانب الشعر، فلطالما كان كان ينظر إلى النثر الفني أنه لا شكل له وعام وغير منطقي في المسرح فهو غير جدير بإحداث التأثير المرجو، لكن كتاب الدراما فيما بعد 1830م نجحوا في أن يجعلوا الجمهور يتقبلها، ولا أفضل من المعلمين في هذه الناحية من موليير وشكسبير، هكذا يبرّر فيني وهوجو الحرية في حقل الشكل، لغة وأسلوبا يكشفان عن الطباع، ولا يلغيان وظيفة الشعر الذي يسهّل هذا التركيز والبروز بل يستبعدان في ذلك الشعر الغنائي والملحمي والشعر الدرامي بحسب الحاجة، وأن يكون الشعر في الدراما الرومانسية حرا وصريحا وجريئا ومخلصا للفن ولا إسهاب فيه.
_جزالة الأسلوب: لم يجرأ المشرعون في الدراما الرومانسية على مس الأسلوب، واحتفظوا له بالجزالة، وأراد الشاعر "ستندال" أن يكون الأسلوب واللغة عل قدر من الصفاء بمقدار ما هي عليه الحوادث من الرومانسية، فأوصى باستعمال النثر الذي يستمد تأثيراته من خلجات النفس ولا يجب على الشاعر أن يعود ليفكر بصنع أبيات جميلة تسحر الجمهور، بل لغة تقربة من شخصياته وتجعله يستوعبها بعيدا عن ابتذال الأسلوب الكلاسيكي المزحوم بالتعابير المصنوعة "لا ينبغي أن نغالي في الإشادة بالروح الشاعرية في المسرح، فهذه المغالاة من قبيل المثالية المفرطة، فالشاعرية في المسرح الجوهري أمر جوهري مافي ذلك شك، غير أن للمسرح جانبا واقعيا لا يمكن إغفاله"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-المذاهب الأدبية الكبرى في فرنسا، م ن، ص 215
2-لطفي قام، المسرح الفرنسي المعاصر-مذاهب وشخصيات، الدار القومية للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1964، ص273
-الاحتجاج على سلطان العقل والنزوع نحو العاطفة والخيال: بمعنى إطلاق العنان للشاعر المبدع وراء التصورات والخيالات الجامحة التي تصل إلى حد أحلام اليقظة والفانتازيا أو ما يسمى بالنزوات الخيالية، والشخصيات الغريبة كملهمات الشعر والجن وملاك الحب وعالم العفاريت والأشباح، وغلبة الكآبة مشاعر الحزن والصراع النفسي الدرامي الدائر حول هشاشة الحاة ودنو شبح الموت، لكن الموت الحنون والمخلص لا الموت المخيف...وفي هذا التصوير نوع من الفكر الجريء اللماح المدرك للمفارقات والتناقضات والميال إلى الحدس أكثر من الوعي والتفكير الموضوعي، حيث تتحد الذات بالموضوع ويمتزج الإنسان بالطبيعة ليس إلا في نظرة شاملة كل ما هو إنساني وأصيل في الحياة الواقعية كإنشاد مبادئ الحب والجمال والخير.
-اتسم الصراع الدرامي بأفقيته أي صراع أفقي وليس عمودي كما عهدنا ذلك في المسرحية الكلاسيكية فعادة ما يشخص الصراع بين أفراد العمل الدرامي مثلا بين البطل والمعارض وكذا المساعد الذي يدخل بين أطراف الصراع الذي يتمثل في الشخصيات الثانوية التي تقف بين التأييد والمعارضة، ووأحيانا كثيرة لا يشخص الصراع بحيث يكون ضد نظام حكم ما أو سلطة معينة.
-نوعية التشخيص الدرامي للبطل الرومانسي: عزفت الرومانسية عن تصوير البطل الأسطوري والخارق للعادة كما هو في الدراما اليونانية والرومانية كالمردة والعمالقة والآلهة وأنصاف الآلهة، وفضلت أبطالا بشريّين عاديين استمدت شخصياتهم وملامحهم من التاريخ الوسيط أو الوطني المعاصر والحياة الاجتماعية ولكن ضمن الإطار الشاعري المحلق في جو المثالية الأفلاطونية "كالبطل الممثل للعظمة الملحمية والعبقرية القومية والبطل العاشق المتيم، والبطل الطيب الشجاع في مقابل البطل الفاسد الملحد، وقد سجلت الرومانسية بهذا التشخيص الدرامي نقلة وسيطة باتجاه الواقعية"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-ينظر: عبد الرزاق الأصفر، المذاهب الأدبية لدى الغرب، م ن، ص63