مفهوم القانون الجنائي:
ن تحديد أهمية القانون الجنائي بإعتباره جزء من النظام القانوني في الدولة كونه يستمد أهميته من خطورة مضمونه وأهدافه ووظيفته، وبذلك يسعى قانون العقوبات بإعتباره القانون الحامي للمجتمع إلى العمل على صيانة أسس المجتمع واستقراره وإقامة العدالة من خلال العمل على حماية الأسس الجوهرية في المجتمع بمنع كل الاعتداءات التي يمكن أن تحدث من خلال توفير جزاء جنائي يمثل أعلى مراتب الحماية في المجتمع.
تعريف القانون الجنائي:
لم تتطرق جل التشريعات المقارنة إلى تقديم تعريف محدد لقانون العقوبات، ولذلك يعرف قانون العقوبات بأنه: مجموعة من القواعد القانونية التي تبين الجرائم وما يقابلها من عقوبات أو تدابير أمن. (1)[1][1][1]
أو هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد سياسة التجريم والعقاب من خلال السعى إلى عقاب مرتكب الجريمة وفقا لجزاءات محددة قانونا، فمن خلال الجانب الموضوعي الذي يضم الأفعال التي تعتبر جرائم بالموازاة مع العقوبات المقررة لها والأشخاص المرتكبين لهده الأفعال المجرمة قانونا.
أما فيما يتعلق بالجانب الشكلي لقانون العقوبات فإنه يمكن القول بأنه يتمثل في حق الدولة في العقاب والذي يقتضي بيان الجهات المختصة بالمتابعة الجزائية وإجراءات التحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة. (2)[2][2]
إلا أنه ما يجب الإشارة إليه فإن تسمية هذا القانون تختلف بين شراح القانون، فهنالك من يسميه بقانون العقوبات ينطلقون من كون أنه يضم الجرائم والعقوبات المقررة لها قانونا، وبالتالي فإن العقوبة تعتبر الحد الفاصل الذي يميزه عن غيره من القوانين، إلا أن هذا الاتجاه قد أغفل تدابير الأمن واقتصرت التسمية على العقوبات فقط دون الجرائم المتعلقة بها.
كما يوجد اتجاه آخر يذهب إلى تسميته بالقانون الجزائي، وذلك على اعتبار أن الجزاء الجنائي يشمل كل من العقوبة وتدابير الأمن اللذان يقرران للجرائم، في حين ذهب تيار آخر إلى تسميته بالقانون الجنائي وذلك نسبة إلى الجنايات التي تعد من أخطر الجرائم التي يمكن أن ترتكب من طرف مرتكبي الجرائم. [2][1]

ملاحظة :
لذا انتشرت كل من التسميات الثالثة، إلا أن الأرجح من بين هذه التسميات هي تسمية قانون العقوبات، وهو ما أخذ به المشرع الجزائري حين سمى التشريع الجنائي بقانون العقوبات.
أهداف القانون الجنائي:
يعد القانون الجنائي بالنسبة للدولة وسيلة للحماية التي يمكن من خلال حماية الدولة من الإجرام الداخلي والإجرام الخارجي، كتجريم الإعتداءات والمؤامرات التي تمس بسلامة الدولة، في حين يعد القانون الجنائي بالنسبة للمجتمع آداة فعالة من شأنها العمل على مجابهة كل ما من شأنه هدم الدعائم الأساسية في المجتمع.
أما على مستوى الأفراد فيكمن دور القانون الجنائي في حمايته لأهم الحقوق الطبيعية للإنسان كالحق في الحياة والسلامة الجسدية من كل الإعتداءات التي يمكن أن تطال هذه الحقوق، وعليه فإن القانون الجنائي لا يقتصر على الردع فقط بل يتعدى إلى غير ذلك من خلال الوقاية كونه يسعى لمنع الجرائم قبل وقوعها، وهو الأمر الذي يقودنا بطبيعة الحال إلى تحديد أهم الأهداف التي يسعى القانون الجنائي إلى تحقيقها في النقاط التالية:
تحقيق الأمن والاستقرار القانوني:
إن الغاية الأساسية التي يسعى القانون الجنائي إلى بلوغها تتمثل أساسا في توفير الحماية اللازمة التي يمكن من خلالها تحقيق الأمن في المجتمع واستقراره، وذلك من خلال النصوص القانونية التي يحتوي عليها قانون العقوبات التي توضح الجرائم وعقوباتها، والتي تعد فينفس الوقت وسيلة لمواجهة الاعتداءات التي تمس المصالح الجوهرية في المجتمع.
حماية المصالح المختلفة في المجتمع:
إن الحاجة إلى قانون العقوبات بإعتباره القانون الذي يكفل الحماية اللازمة للمصالح المختلفة في المجتمع من الضروريات التي يستوجبها المجتمع خاصة أمام تجدد وزيادة المصالح التي قد تكون مادية أو معنوية، خاصة وأنه قد شهد المجتمع الجزائر في السنوات الأخیرة عدة ظواهر سلبية أرهقت المواطن الجزائري، وأفقدته الثقة في سلطة الدولة في ظل استفحال الظواهر الفوضوية في الطرقات، الشوارع والإدارات الجزائرية، فتدخل المشرع (3)[3]وقام بتجريم البعض منها فجرم الاستغلال غیر الشرعي للطريق كمواقف للسيارات. (4)[4]
العمل على تحقيق العدالة:
إن الجزاء الجنائي يضمن الحماية اللازمة للمصالح في المجتمع من خلال ما يمثله هذا الجزاء من ردع وإصلاح، بحيث يهدف قانون العقوبات إلى تحقيق العدالة في المجتمع عن طريق إيقاع عقوبات على مرتكبي الجرائم في سبيل تحقيق الردع الخاص.
وذلك على اعتبار أنه أصبح للجزاء الجنائي دور وقائي وعلاجي وتهذيبي، يمكن أن يساهم في عدم معاودة الجاني لسلوكه الاجرامي مرة أخرى، كما يحقق قانون العقوبات في مقابل ذلك الردع العام من خلال العمل على منع تفشي ظاهرة الإجرام في المجتمع.
خصائص القانون الجنائي:
يمتاز القانون الجنائي عن غيره من فروع القانون الأخرى بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن غيره، والتي تتمثل أساسا فيما يلي:
• القانون الجنائي قانون وحيد المصدر: إن اعتبار التشريع كمصدر وحيد للقانون الجنائي يعد من النتائج المترتبة عن مبدأ الشرعية، فهذه الخاصية تميزه عن فروع القانون الأخرى كالقانون المدني الذي يبيح للقاضي بموجب المادة الأولى منه في حالة عدم وجود نص تشريعي اللجوء إلى مصادر أخرى كالشريعة الإسلامية والعرق ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، على عكس القانون الجنائي الذي لا يسمح للقاضي اللجوء إلى مصادر أخرى سوى إلى التشريع فقط.
• الصفة الجزائية للقانون الجنائي: تتضمن قواعده جزاء يمتاز بطبيعته الخاصة ألا وهي العقوبة التي تختلف عن غيرها من الجزاءات الأخرى.
• الصفة المساعدة للقانون الجنائي: لقد شرعت نصوص قانون العقوبات بغرض المساعدة على حماية المصالح والحقوق المنصوص عليها قانونا، وبالتالي فإن قانون العقوبات لا يتدخل إلا في حالة عدم كفاية الجزاءات الأخرى، كالجزاءات المدنية التي يقررها القانون المدني كالتعويض وإعادة المتعاقدين على ما كانوا عليه قبل التعاقد.
• يتكون القانون الجنائي من شق موضوعي وشق إجرائي: يتكون القانون الجنائي من نوعين من القواعد أحدها موضوعي، والذي نقصد به قانون العقوبات من خلال التطرق إلى الجريمة وأركانها والمسؤولية الجنائية، بالإضافة إلى الجانب الشكلي أو الإجرائي الذي يهتم بتبيان الإجراءات المتبعة لتوقيع الجزاء على مرتكبي الجرائم.
• يمتاز بأن قواعده القانونية كلها آمرة: يعد قانون العقوبات فرعا من فروع القانون العام، كون أن الدولة لها السلطة في تسليط العقوبات وتنفيذها على الأفراد مرتكبي الجرائم عن طريق النيابة العامة التي لها سلطة تحريك الدعوى العمومية مباشرتها باسم المجتمع، وعلى هذا الأساس فإن قواعد قانون العقوبات آمرة لا يجوز مخالفتها، وفي حال مخالفتها فإنه يترتب عن ذلك جزاء.
طبيعة القانون الجنائي:
لقد ثار جدال فقهي حول تحديد الطبيعة القانونية لقانون العقوبات، حول ما إذا كان هذا الأخير فرعا من فروع القانون العام أم فرعا من فروع القانون الخاص أم هو قانون مختلط.
وعلى هذا الأساس فقد ذهب الاتجاه الذي يعتبر أن قانون العقوبات فرع من فروع القانون العام إلى اعتباره قانون يحمي المصلحة العامة في المجتمع من جهة، وأن الدولة لها سلطة إيقاع العقاب على المخالفين للقانون وبالتالي فإن القانون سيكون قانونا عاما، في حين يرى جانب آخر من الفقه إلى إعتباره قانون العقوبات فرعا من فروع القانون الخاص وحجتهم في ذلك أنه يتضمن قواعد عديدة جاءت لحماية مصالح الأفراد.
في حين يرى جانب آخر أن قانون العقوبات ذو طبيعة مختلطة يجمع بين القانون العام والقانون الخاص كون أن قواعده تحمي المصلحة الخاصة، على أن تحمي قواعد القانون العام المصلحة العامة.