مفهوم الجريمة

تعد الجريمة ظاهرة قانونية يرتبطها وجودها الحقيقي بحدوث فعل مادي يجرمه القانون، وبالتالي قيام المسؤولية الجنائية لمرتكب الفعل الإجرامي.

وبالتالي فإن قانون العقوبات هو الذي يحدد صور الجريمة وأشكالها، ولهذا فإنه من الضروري التطرق إلى تقديم تعريف للجريمة والفروقات بينها وبين بعض الصور المشابهة لها.

تعريف الجريمة

ويعرفها الأستاذ رؤوف عبيد بأنها:" كل أمر يخطره الشارع عن طريق العقاب الجنائي إذ لم يقع استعمالا لحق أو أداء لواجب." (1)[1][1]

كما يمكن تعريف الجريمة بأنها ذلك الفعل الغير المشروع المعاقب عليه بعقوبة جزائية أو تدبير أمن، وبالتالي فإن كل عمل أو امتناع صادر عن إرادة جرمية يعد جريمة يعاقب عليها القانون، إذ لا يمكن القول بوجود جريمة إذا لم يقم السلوك الإجرامي سواء كان سلوكا سلبيا أو إيجابيا.

فبالنسبة للسوك الإجرامي الإيجابي والذي قد يتجسد في نطق المجرم بعبارات السب والقذف أو كأن يقوم بحمل سلاح وإطلاق النار على شخص بغرض قتله، أما بالنسبة للسلوك الإجرامي السلبي فيتجسد في الإمتناع كأن يمتنع الشاهد عن الإدلاء بشهادته أمام القضاء أو الإمتناع عن تقديم يد المساعدة لشخص في حالة خطر.

تمييز الجريمة عن ما يشابهها

تعد الجريمة فعلا غير مشروع صادر عن إرادة جرمية متمثلة في القصد الجنائي في الجرائم العمدية والخطأ الجنائي في الجرائم الغير عمدية والتي يترتب عن كلاهما قيام المسؤولية الجزائية وبالتالي إيقاع جزاء، وبالتالي فإنه من الضروري التمييز بين الجريمة الجنائية وغيرها من الجرائم المشابهة وهذا ما سيتم التطرق إليه وفق ما يلي:

تمييز الجريمة الجنائية عن الجريمة المدنية

تنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري على أنه: "كل فعل أیا كان یرتكبه الشخص بخطئه ویسبب ضررا للغیر یلزم من كان سببا في حدوثه بالتعویض." تفيد هذه المادة بأن الفعل الذي يقدم عليه الفرد ويسبب ضررا للغير فإنه يلتزم في مقابل ذلك بالتعويض فتسمى بالجريمة المدنية أو الخطأ المدني، ولهذا فإنه من الضروري التمييز بينها وبين الجريمة الجنائية وفق ما يلي:

1-الجریمة الجزائیة یترتب عنھا الجزاء الجنائي في صورة عقوبة أو تدبیر أمن وھي ناتجة عن مخالفة قواعد قانون العقوبات بخلاف الخطأ المدني (الجریمة المدنیة) یترتب عنھا التعویض.

2-إن القاعدة الجنائية تعتبر قاعدة آمرة في حين تعتبر القاعدة المدنية قاعدة مكملة.

3-إن الجريمة واردة على سبيل الحصر في قانون العقوبات والقوانين المكملة له في حين أن الخطأ المدني لا يخضع للحصر.

4- لقيام الجريمة لابد من توافر القصد الجنائي أو الخطأ الغير عمدي في حين لا يستلزم لقيام الفعل الغير مشروع مدنيا قيام رابطة معنوية بين الفاعل والواقعة.

5- تتحرك النيابة العامة ممثلة في المجتمع لمباشرة الدعوى العمومية، فلا يمكن التنازل عن الدعوى لأنها ملك للمجتمع ممثلا في النيابة العامة إلا في بعض الجرائم، في حين يحق للمضرور أو من يمثله رفع دعوى أمام المحاكم المدنية، كما يمكن للفرد التنازل عن دعواه ضد المتسبب في الضرر كون الفعل الغير مشروع يضر بمصلحة الفرد الشخصية.

6-قد تقوم الجريمة الجنائية بدون ضرر كالجرائم الشكلية، في حين يعد الضرر ركن هاما من أركان الخطأ المدني.

تمييز الجريمة المدنية عن الجريمة التأديبية

تعد الجريمة التأديبية إخلال الشخص بالواجبات الوظيفية التي تفرضها عليه القواعد المنظمة لتلك المهنة أو الهيئة، اخلالا يكون من شأنه الإضرار بمصالحها أو المساس بشرفها وهيبتها. (2)[2][2]

وبالتالي فإنه تظهر الحاجة لإظهار الفوارق الجوهرية التي يمكن من خلالها تمييز الجريمة الجنائية عن الجريمة التأديبية والتي تتجسد أساسا في النقاط التالية:

1-تعتبر الجريمة الجنائية اعتداء على حق المجتمع على عكس الجريمة التأديبية التي تعد اعتداء على نظام الهيئة.

2-يحدد قانون العقوبات الأفعال الجريمة فيقرر لها جزاءات جنائية في حين يكتفي القانون الأساسي للوظيفة بتحديد الجزاءات والتي تختلف عن الجزاءات المقررة للجريمة الجنائية والتي تتمثل في التاريخ والإنذار والتوقيف و الخصم والفصل من الهيئة التي ينتمي إليها الفرد.

3-توجد محاكم جزائية خاصة تختص بالجريمة الجنائية ويتم اتباع فيها اجراءات خاصة نص عليها قانون الإجراءات الجزائية في حين يختلف الأمر بالنسبة للجريمة التأديبية التي يتم اتباع اجراءات تختلف عن اجراءات الدعوى العمومية لتفصل فيها هيئات تأديبية تختلف في تشكيلها عن المحاكم الجزائية.

4-إلا أنه في مقابل ذلك يمكن أن يشكل الفعل المرتكب جريمة جنائية وجريمة تأديبية في نفس الوقت كإختلاس الموظف للأموال العمومية فهذا الفعل يشكل جريمة جنائية تستوجب متابعته جزائيا كما يشكل جريمة تأديبية تتطلب مساءلته تأديبيا من قبل الهيئة التي ينتمي إليها الموظف.

5-يحكم الجريمة الجنائية مبدأ الشرعية الجنائية بخلاف الجريمة التأديبية.