التحريات والدعوى العمومية في قانون الإجراءات الجزائية

الفصل الأول : تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة

النيابة العامة هي جهة الادعاء التي خولها المشرع سلطة مباشرة الإتهام بتحريك الدعوى العمومية أمام القضاء ومطالبته بتسليط عقوبة أو تدبير إحترازي ضد مرتكب الجريمة إقتضاء لحق المجتمع في العقاب.

غير أن سلطة النيابة العامة في إختيار الإجراء المناسب لتحريك الدعوى العمومية تخضع لضوابط قانونية محددة بالنظر إلى نوع الجريمة من جهة و صفة الجاني من جهة ثانية، ومن خلال قراءة نص المادة 333 المستحدثة بالأمر رقم 15-02 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية يتضح أن الطرق المتبعة من طرف النيابة العامة لمباشرة الإتهام تتمثل في الإحالة المباشرة على المحكمة ،والإحالة المباشرة على جهات التحقيق .

المبحث الأول: الإحالة المباشرة على المحكمة

تسمى بالإحالة المباشرة على المحكمة لأن الدعوى العمومية تحال من طرف النيابة العامة مباشرة على المحكمة دون المرور عبر التحقيق الإبتدائي، وتكون الدعوى العمومية في هذه الحالة قد إنتقلت من مرحلة الإتهام ودخولها مباشرة مرحلة المحاكمة.

وتتمثل الطرق المتبعة من طرف النيابة العامة لإحالة الدعوى العمومية مباشرة على المحكمة في الإجراءات التالية:

المطلب الأول: إجراءات المثول الفوري.

تم إستحداث نظام المثول الفوري كآلية جديدة لعرض القضايا على المحكمة والتي تتمثل في إحالة المتهمين أمام جهة الحكم فورا بعد تقديمهم أمام وكيل الجمهورية مع ضمان إحترام حقوق الدفاع، وفي هذا الإطار أسندت للمحكمة وحدها صلاحية البث في مسألة ترك المتهم حرا أو وضعه رهن الحبس أو إخضاعه لإلتزام أو أكثر من إلتزامات الرقابة القضائية.

نحاول من خلال هذا الموضوع التطرق إلى مفهوم المثول الفوري مع بيان شروط تطبيق المثول الفوري أمام المحكمة.

الفرع الأول: مفهوم نظام المثول الفوري

نصت المادة 339 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية على النحو التالي '' يمكن في حالة الجنح المتلبس فيها، إذا لم تكن القضية تقتضي إجراء تحقيق قضائي، إتباع إجراءات المثول الفوري المنصوص عليها في هذا القسم ''

وعليه يمكن تحديد مفهوم نظام المثول الفوري كما يلي '' هو إجراء يلجأ إليه وكيل الجمهورية إذا ما تبين له من خلال محاضر الإستدلال أن الوقائع المعروضة عليه تشكل جنحة في حالة تلبس ، فإنه يسلك إجراءات المثول الفوري أمام المحكمة المبينة في المواد من 339 مكرر إلى 339 مكرر 07 من قانون الإجراءات الجزائية ''.

الفرع الثاني: شروط تطبيق نظام المثول الفوري

لقد حدد الأمر 15-02 الشروط المطلوب توافرها في إجراءات المثول الفوري سواء تلك المتعلقة بنوع الجريمة وحالتها، أو بالجوانب الإجرائية قبل الإحالة، نحالو ان نوردها على النحو التالي :

1-الشروط الموضوعية

- أن تكون الجريمة لها وصف جنحة، أي يتم إستبعاد المخالفات والجنايات المتلبس بها من إجراءات المثول الفوي

- أن تكون الجنحة متلبس بها وفقا لما هو محدد في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية.

- ألا تكون الجنحة المتلبس بها من الجرائم التي تخضع المتابعة فيها لإجراءات تحقيق خاصة.

2-الشروط الإجرائية

- إستجواب المشتبه فيه من قبل وكيل الجمهورية عن الهوية والأفعال.

- تمكين المشتبه فيه من الإستعانة بمحام عند مثوله أمام وكيل الجمهورية، وعندئذ يجب إستجوابه بحضور محاميه.

- إخبار المشتبه فيه والضحايا والشهود من طرف وكيل الجمهورية بأنهم سوف يمتثلون فورا أمام المحكمة، على أن يبقى المتهم تحت الحراسة الأمنية إلى غاية مثوله أمام المحكمة.

- وضع نسخة من الملف تحت تصرف المحامي وتمكينه من الإتصال بالمتهم وعلى إنفراد في مكان مهيأ لهذا الغرض قبل إمتثاله أمام قاضي الحكم.

المطلب الثاني: إجراءات الأمر الجزائي.

بمقتضى نص المادة 333 من الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية، إستحدث المشرع إجراءات الأمر الجزائي كطريق يسلكه وكيل الجمهورية لإحالة الدعوى العمومية مباشرة على المحكمة عند تصرفه في نتائج الإستدلال .

ومن خلال هذا الموضوع سيتم التطرق إلى مفهوم الأمر الجزائي، وإجراءاته في الأمر 15-02 المؤرخ في 23 جويلية 2015.

الفرع الأول: مفهوم الأمر الجزائي.

يعتبر نظام الأمر الجزائي أحد بدائل الدعوى الجزائية، ويعرف بأنه '' أمر قضائي يتوقيع العقوبة المقررة دون تحقيق أو مرافعة، ويصدر دون إتباع القواعد الخاصة بإجراءات المحاكمة والتحقيق النهائي اللازم للحكم الجنائي ''

ويفصل القاضي في ملف الدعوى بغرفة المشورة، وليس في جلسة علنية لإصدار أمر جزائي، دون حضور المتهم ولا النيابة، ودون مرافعة مسبقة.

الفرع الثاني: شروط الأمر الجزائي

حتى يتمكن وكيل الجمهورية من إحالة الدعوى العمومية مباشرة على المحكمة عن طريق إجراءات الأمر الجزائي لابد من تحقق الشروط المنوه عنها في نص المادة 380 مكرر من الأمر 15-02 والمتمثلة فيما يلي:

- أن تكون الجريمة جنحة معاقب عنها بالغرامة أو الحبس لمدة تساوي أو تقل عن سنتين.

- أن تكون هوية مرتكب الجنحة معلومة (شهادة ميلاد المشتبه فيه مرفقة بملف الإجراءات).

- أن تكون الوقائع المنسوبة للمتهم ثابتة على أساس معاينتها المادية وليس من شأنها أن تثير مناقشة وجاهية.

- أن تكون الوقائع المنسوبة للمتهم قليلة الخطورة ويرجح أن يتعرض مرتكبها لعقوبة الغرامة فقط.

الفرع الثالث: إستثناءات الأمر الجزائي.

لا يمكن لوكيل الجمهورية عند تصرفه في نتائج الإستدلال من اللجوء إلى إجراءات الأمر الجزائي، متى توافرت حالة من الحالات المبينة في المادة 380 مكرر 01 من قانون الإجراءات الجزائية وهي:

- إذا كان المتهم حدثا.

- إذا إقترنت الجنحة بجنحة أخرى أو مخالفة أخرى لا تتوافر فيها شروط تطبيق إجراءات الأمر الجزائي.

- إذا كانت ثمة حقوق مدنية تستوجب مناقشة وجاهية للفصل فيها.

المطلب الثالث: إجراءات الإستدعاء المباشر.

تعتبر إجراءات الإستدعاء المباشر الطريق الأكثر شيوعا وإتباعا من طرف النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية لإحالة الدعوى العمومية مباشرة على المحكمة، وتلجأ النيابة العامة إلى الإتهام عن طريق الإستدعاء المباشر في المخالفات دون إستثناء ، كما تلجأ أيضا إلى طريق الإستدعاء المباشر في كل من الجنح حتى ولو توافر في الجنحة شروط المثول الفوري والأمر الجزائي إذا رأت أن في ذلك حسن سير الإجراءات ، ماعدا الجنح التي تستوجب فيها تحقيق بنص خاص (المادة 66/2 من قانون الإجراءات الجزائية ).

وإذا ما استعملت النيابة العامة سلطتها التقديرية بتحريك الدعوى العمومية في المخالفات والجنح عن طريق الإستدعاء المباشر، فإنها تقوم بإرسال ملف الدعوى إلى الجهة القضائية المختصة، وتخطر المتهم بتاريخ الجلسة إن كان حاضرا، أو تكلفه بالحضور الموجه من النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية وإتهاما للشخص الموجه إليه.

المبحث الثاني: الإحالة على جهات التحقيق.

تكون النيابة العامة ملزمة بتوجيه الإتهاك بتحريك الدعوى العمومية عن طريق إجراءات التحقيق الإبتدائي بواسطة طلب إفتتاحي يوجه إلى جهات التحقيق في الحالات التالية:

المطلب الأول: في مواد الجنايات.

إذا تبين للنيابة العامة عند إختتام مرحلة البحث والتحري أو الإستدلال ، ان الواقعة موضوع الإستدلال لها وصف جناية ، فإنه يجب عليها مباشرة الإتهام بتحريك الدعوى العمومية بتلك الجناية أمام قاضي التحقيق.

وقد أكد المشرع الجزائري على إلزامية التحقيق في مواد الجنايات في المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية التي تقضي بأن '' التحقيق وجوبي في مواد الجنايات، أما الجنح فيكون إختياريا ما لم تكن نصوص خاصة، كما يجوز إجراءه في مواد المخالفات إذا طلبه وكيل الجمهورية ''.

المطلب الثاني جرائم أعضاء الحكومة وبعض الموظفين.

نصت المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية على أن '' التحقيق الإبتدائي وجوبي في الجنايات، أما الجنح فيكون إختياريا مالم يكن ثمة نصوص خاصة.. ‘'

بالرجوع إلى نص المادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية ومايليها على إلزامية التحقيق الإبتدائي في الجرائم المرتكبة من طرف أعضاء الحكومة وبعض الموظفين حتى ولو كانت تلك الجريمة من نوع جنحة، حيث جعل الإتهام فيها من طرف النيابة العامة، لا يكون إلا عن طريق تحريك الدعوى العمومية أمام جهات التحقيق محددة وبإتباع إجراءات خاصة.

المطلب الثالث: جرائم الطفل.

المشرع الجزائري عندما أوجب على النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأطفال أمام جهات تحقيق خاصة قد راعى ظروف الطفل وصغر سنه.

فالطفل هو كل شخص لم يبلغ سن الرشد الجنائي، وبالرجوع إلى نص المادة 02 من القانون 15-12 المتضمن حماية الطفل، فإنها تنص على مايلي '' الطفل كل شخص لم يبلغ 18 سنة كاملة، يفيد مصطلح حدث نفس المعنى '' كما نصت المادة 56 من نفس القانون بأن '' لا يكون محلا للمتابعة الجزائية الطفل الذي لم يكمل 10 سنوات ''.

فإذا ما إتضح لوكيل الجمهورية من خلال محاضر الإستدلال أن الوقائع المعروضة عليه تشكل جريمة وكان مرتكبها طفلا، فإن الإجراءات المتبعة لإتهامه بتلك الجريمة وتحريك الدعوى العمومية ضده، تختلف حسب جسامة الجرم إن كان من نوع الجناية أو الجنحة أو المخالفة.

فإذا رأى وكيل الجمهورية أن الوقائع التي تضمنتها محاضر الإستدلال تشكل جناية أو جنحة وكان مرتكبها طفلا، فإنه يحيل ملف الطفل على قاضي الأحداث للتحقيق معه، فإعتبار أن التحقيق إجباري في الجنايات والجنح المرتكبة من قبل الطفل وإختياري في المخالفات (المادة 64 من القانون 15-12).

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)