نشأة نظرية الغرس الثقافي:
يرجع ملفين ديفلير Melvin Deflir بدايات وجذور نظرية الغرس الثقافي إلى مفهوم "والتر ليبمان" "Walter Lipman "للصورة الذهنية، التي تتكون في أذهان الجماهير من خلال وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت عن أنفسهم أو عن الآخرين، وأحياناً تكون هذه الصورة الذهنية بعيدة عن الواقع، نتيجة لعدم وجود رقابة على المواد المعروضة في وسائل الإعلام، مما يؤدي إلى غموض في الحقائق وتشويه المعلومات وسوء فهم للواقع، وبناء على هذا التصور حاول ديفلير تطوير نظرية الأعراف الثقافية Cultural Norms والتي تشبه إلى حد كبير نظرية الغرس.
وفي أواخر الستينيات، شهد المجتمع الأمريكي فترات الإضرابات بسبب مظاهر العنف والجريمة وذلك في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كينج وكيندي وتزايد الاهتمام بتورط الدولة في حرب فيتنام. وفي عام 1968 تم تشكيل لجنة قومية أمريكية لبحث أسباب العنف والوقاية منه وعلاقة التليفزيون بذلك.
وقام الباحثون بأبحاث عديدة منذ هذه الفترة ركزت معظمها على تأثير مضمون برامج التليفزيون التي تقدم وقت الذروة وفي عطلة آخر الأسبوع على إدراك الجمهور للواقع الاجتماعي وكان العنف هو الموضوع الرئيسي محل البحث.
أكد الباحث الأمريكي جورج جربنر George Gerbner في دراساته على أن التليفزيون أصبح قوة مسيطرة للكثير ومصدراً رئيسياً لبناء تصوراتهم عن الواقع الاجتماعي. وبالتالي فإن العلاقة بين التعرض للتليفزيون والأفكار المكتسبة يكشف عن مدى إبراز أهمية دور التليفزيون في ترسيخ القيم والتصورات المدركة للواقع الاجتماعي، وبذلك أصبح الواقع الإعلامي المدرك من التليفزيون هو ما يعتمد عليه الفرد في علاقاته مع الآخرين، مما يستلزم استخدام مدخل مختلف عن المداخل التي تستخدم في دراسة تأثير تلك الوسائل. ويرجع ذلك في رأي "جربنر" إلى أن التليفزيون قد أصبح المركز الرئيسي للثقافة الجماهيرية، وأن تأثيره قد أصبح أساسياً في التنشئة الاجتماعية للغالبية العظمى من المشاهدين، بما يعرضه من نماذج مكررة ونمطية للسلوك والأدوار الاجتماعية المختلفة.
وضع "جربنر" وزملاؤه من خلال هذه الدراسات مشروعه الخاص بالمؤشرات الثقافية، والتي اهتمت بثلاث قضايا متداخلة هي:
- تحليل العملية المؤسسية أي دراسة سياسات الاتصال في علاقتها بمضمون واختيار وتوزيع الرسائل الإعلامية.
- تحليل محتوى الرسائل الإعلامية وهي عبارة عن دراسة الأنماط السائدة للصور الذهنية والسلوك الأكثر تكراراً التي تعكسها الرسالة الإعلامية، مثل تصوير العنف والأقليات والنوع والمهنة وغيرها من القضايا.
- تحليل الغرس الثقافي والتي تدرس العلاقة بين التعرض للرسائل التليفزيونية و إدراك الجمهور للواقع الاجتماعي.
وتعد نظرية الغرس المكون الثالث من مكونات مشروع المؤشرات الثقافية، وهذا المشروع يهدف إلى إقامة الدليل الإمبيريقي على تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية على البيئة الثقافية. حيث ترى نظرية الغرس أن التليفزيون من بين وسائل الإعلام الأخرى يعد الأساس الثقافي المركزي للمجتمع، وأنه يقدم القصص والحوادث والمصمم الأساسي للصور الرمزية التي تساهم في تكوين المعتقدات عن العالم الحقيقي، وبالتالي فإن كثيفي المشاهدة سيدركون الواقع الحقيقي الذين يعيشون فيه بصورة تتفق مع الصور الذهنية المقدمة في العالم التليفزيوني، ولكن يعمل الغرس التليفزيوني على تغيير بعض المعتقدات عند الأفراد كثيفي المشاهدة، ويحدث ذلك من خلال التعرض التراكمي للتليفزيون، في حين الإبقاء على هذه المعتقدات لدى آخرين.(للإطلاع على الوثيقة أنقر هنا [pdf])