منهج القرآن في إثبات إمكان البعث.

سابعا: منهج القرآن في إثبات إمكان البعث.

يبدأ اليوم الآخر بالبعث الذي تعود فيه الحياة المادية للمخلوقات الحية التي قرر الله عودة الحياة إليها، وأخبرنا القرآن الكريم بحقيقة البعث وأنه حق وحاصل في أجله الذي يعلمه عز وجل دون سائر الخلائق[1]، قال تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7].

إن إثبات إمكانية لبعث الأجساد بعد الممات لا يمكن أن يتطرق إليها دليل عقلي خالص، لأنها من قضايا الغيب المطلق، لكن القرآن الكريم قرب للناس فهم مبدأ البعث بعد النشور بمسالك تقرها العقول، منها:

- قياس النشأة الآخرة على الأولى: قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 78 - 80]، وجه دلالة الآية على إثبات البعث أن الله تعالى خلق الخلق وأنشأه النشأة الأولى على غير مثال سابق، وإعادة خلق الخلق نظيرُ إنشائه النشأة الأولى، فالنشأة الأولى دليل على جواز النشأة الآخرة لأنها في معناها؛ لأن القول في النظير هو نفس القول في نظيره، يقول أبو الحسن الأشعري: "فإن قال قائل: ما الدليل على جواز إعادة الخلق؟ قيل له: الدليل على ذلك أن الله سبحانه خلقه أولا لا على مثال سابق، فإذا خلقه أولا لم يُعيه أن يخلقه خلقا آخر، وقد قال عز وجل {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 78 - 80] فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة لأنها في معناها "[2].



[1]- الميداني عبد الرحمن حسن حبنكة، العقيدة الإسلامية وأسسها، ص559.

[2]- أبو الحسن الأشعري، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، ص21.