Annonces

المحاضرة الثامنة: اتجاه المسرح الفقير

المحاضرة الثامنة: اتجاه المسرح الفقير

par KARIMA HENNI,
Nombre de réponses : 0

المحاضرة الثامنة: اتجاه المسرح الفقير - غروتوفسكي

تمهيد

      يتفق جيرزي غروتوفسكي* Jerzy Grotowski (1933-1999) مع وجهة نظر مايرهولد في كون المسرح صناعة وصياغة لا محاكاة وتقليد للواقع كما يكسر قدسية النص المسرحي بأنه أساس العرض بل اعتبره عنصرا من عناصر العرض وليس العرض كله وفي نفس الوقت لايستهين به لأنّه لا يقل أهمية عن عناصر العرض الأخرى ويستعين به لأجل استخراج المثير فيه من لغة الرمز والإيحاء بالشخصيات الأسطورية والشعبية والبدائية الضاربة في تاريخ الحضارة والثقافة الإنسانية القديمة، لذلك يرجع في منهجه البحثي عن صياغة جديدة للمسرح إلى أصول الإنسان والأشكال المسرحية البدائية مشكلا مفهومه في نظرية المسرح الفقير.

     فقد حاول أن يعيد صياغة  الطقوس القديمة إلى إبداع طقوس مسرحية حديثة بأسلوب الإثارة والدهشة والاستفزاز الجماهيري وهو في هذا يقترب من طريقة أنطونان آرتو وأصول مسرح السحر القديم متجاوزا الواقع إلى ما وراء الواقع من خلال عالم الروحانيات والحياة السرية الميتافيزيقية والبدائية، فقد وجد فيه ملاذه لذلك استوحى منه منهجه الجديد في الإخراج المسرحي كما اعتقد في عبقرية ميرهولد وشعرية الجسد في هندسته الميكانيكية، غير أن وسائل التعبير عنده مختلفة تماما عنهما، كما تأثر بتيروف-أسلوبه مشابه لمايرهولد- وبرتولد بريشت وستانسلافسكي وفاختانخوف ووديلان ودلسارت وكذلك مسارح الشرق القديم كالياباني والصيني والهندي، فجاء مسرحه مزيجا من الثقافات الإنسانية ومنهجه تركيبيا ملمّا بكل المناهج الإخراجية التي سعت للتغيير من كلاسيكيّات المسرح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مخرج ومنظر ومدرب مسرحي بولندي الأصل من واليد 11أوت 1933،صاحب نظرية المسرح الفقير ومؤسّس المختبر المسرحي، درس التمثيل في كراكاو وموسكو وبكين، لكنه اختص في الإخراج المسرحي تمهيدا لمنهجه الإخراجي الجديد، توفي في وارسو في 14 جانفي 1999 بعد معاناة بسرطان الدم، وترك رصيدا مسرحيا لا يستهان به في دقة الإخراج وتأثر به الكثير من المخرجين العالمين ممن ساروا على نهجه الفكري والتقني في المسرح.

التقليدي وتجاوزا لأساسيّاته النظرية في الكتابة الدرامية بإلزامية وجود النص داخل العرض في صورته الصوتية، برؤية إبداعية جديدة نحو البحث عن تقنية جديدة تعمل على استغلال كافة الطاقات الفيزيقية والصوتية المكثفة والمستوحاة من التعبيرات القديمة للإنسان البدائي في تواصله مع العالم من حوله عن طريق الحركة والإيماء وطقوسياته من أجل البقاء والحفاظ على جنسه الآدمي.

جيرزي غروتوفسكي ونظرية المسرح الفقر-Poor Theatre

      لم يكن غروتوفسكي مواليد 1933م مقلّدا في نظريته الحديثة للمسرح الفقير بقدر ما كان مبدعا مجدّدا، ورافضا لكل أشكال العرف المسرحي الموروث في النظريات المسرحية بين الرؤية والشكل الفني وما تعلّمه في معهد التمثيل بكروكوفي البولندية، فاختار التجريب للبحث عن أسلوب  مسرحي جديد ومنهج إخراجي يتماشى وأفكاره في المسرح من خلال معمله المسرحي ببولندا-أوبول الذي أنشأه  في عام 1959م مع مساعده لودفيك فلازن راسما طريق التجريب من خلال العودة لأصول اللغة المشتركة المفهومة بشكل تلقائي عبر شعوب العالم، وعلى هذا فهو لا يريد كسر قواعد المسرح العالمي المعروفة بتنظيراتها الأرسطوطالسية وكسر الروتين في الأساليب الإخراجية الكلاسيكية أو الواقعية بقدر ما كانت حاجته أكثر إلى خوض مغامرة ما قبل المسرح وحياة الشعوب البدائية والتي نرى أنموذجا لها بعض الشعوب التي ترفض الحضارة لحد الوقت الذي نعيشه من تطور التكنولوجيا والرقمنة، وتفضل البساطة والعيش الطبيعي في ظروف الحياة البدائية والأمثلة كثيرة في أدغال إفريقيا السوداء وبعض المناطق التي لم تعرف بعد معنى الحضارة. حيث وجد غروتوفسكي فكرته عن المسرح الفقير بجماليات الحياة البدائية عن قراءة جديدة لآليات التجريب المسرحي "تبحث بالضرورة عن لغة مسرحية مناسبة-قديمة كانت أو جديدة. ولعل أقوى دليل على صحة هذا القول هو تشابه اللغة المسرحية في أزمنة متباينة عندما تتشابه رؤية العالم.

 

      لذلك كثيرا ما يتخذ ما يسمى بالتجريب في المسرح طريق العودة إلى لغة مسرحية قديمة ومحاولة إحيائها أو استلهامها باعتبارها أصلح لغة للتعبير عن رؤية مشابهة معاصرة"1 وبالفعل هو منهج البحث الجديد في مسرح غروتوفسكي وأساليبه الإخراجية لأن قناعته لم تكن لتكتمل بما تلقاه من معلومات ومناهج وتدريبات معاصريه وممن سبقوه من رواد المسرح العالمي، وليس في هذا عيب أو عدم اعتبار لجهودهم فتذكر أحد المصادر أنّه عندما سل عن مرجعيته الفنية والفكرية في بناء نظريته الجديدة للمسرح في كتيب أسماه "نحو مسرح فقير" أشار  من دون تردّد إلى الممثل البولوني يوليوس أوسْتِرفا وستانسلافسكي ومايرهولد وآرتو وبريشت ومسرح النو ومسرح الكاتاكالي، إلا أن الشيء الذي أراده في مختبره المسرحي هو التركيز على الممثل جوهر العمل المسرحي وأساسه من خلال دروس مستفيضة في تكوين الممثل والعمل على إنشاء ورشات عمل مخصصة لتدريبه بشكل متواصل لحد الإرهاق، فأراد باتجاهه المخالف أن يحدث المفارقة التاريخية في مناهج الإخراج من تلك التي كانت تسود أو سادت في حقبة معينة واستطاع أن يخلق بإمكانيات بسيطة ومن لاشيء مسرحا كاملا متكامل الجوانب مرجعيّته الأساسية هي الممثل وخلق لغة تواصل مشتركة بينه وبين الجمهور مهما كانت صفته أو جنسه أو عرقه في أي بقعة من العالم وهذا فعلا ما سعى إليه مخرجون من بعده تأثرا بمنهجه مثل بيتر بروك الذي جال بفرقته مناطق كثيرة من العالم في دول أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا  فقد آمن بفكرة أنّ المسرح يجب أن يذهب إلى الناس حيث يعيشون وأن "يغيّر الممثل من فهمه للعلاقة بالجمهور  وكيف يجب أن تكون"2 فقلّص بذلك المسافة التي تفصل العرض بعملية التلقي أين يصبح المشاهد مشاركا في العرض ويروي تجربته الفذة كاملة في مؤلفه: النقطة المتحولة –أربعون عاما في استكشاف المسرح وتنمّ في دواخلها عن وعــــي كامل لمنهـــج غروتوفسكــــــي في سعيه لخلـــــق التواصل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-نهاد صليحة، أضواء على المسرح الإنجليزي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2005 ، ص67

2-بيتر بروك، النقطة المتحولة-أربعون عاما في استكشاف المسرح، تر: فاروق عبد القادر، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، أكتوبر 1991، ص123

المسرحي بلغة عالمية مشتركة، وعمله بقدر الإمكان على خلق عرض مشترك بين ممثليه وجمهوره في حلقة وصل يخلقها الممثل في إدماج المشاهد وجعله يقظا على طول مدة العرض وشريكا مهما فيه.

    وكان أوّل عمل لغروتوفسكي في اتجاهه المسرح الفقير مسرحية "الكراسي" ليوجين يونيسكو ثم تأتي مسرحية "فاوست" وبعدها "أكروبولس" وهما العملان اللذان كرسا مفهوم المسرح الفقير وأطلقا العنان لسلطة الممثل كاملة، وكانت هذه النماذج نسفا لتقاليد الإخراج المسرحي الكلاسيكي الذي لا يعتد بطاقات الممثل ويجعله متلقنا لا غير وطوعا لتعاليم مخرجه فيسد فيه باب الخلق  الإبداع، وكانت هذه هي الانطلاقة الرسمية التي أطلقت اصطلاح المسرح الفقير مفهوما مؤصلا لفكر غروتوفسكي المسرحي وانعراج حاسم في مسار تطوّر نظرية الإخراج لصالح الممثل والجمهور وفقط لا ديكور ولا سينوغرافيا ولا موسيقى ولا إضاءة تستطيع أن تصنع الإبداع فوق الركح سوى الممثل وحده.

خصائص مسرح غروتوفسكي

-التجريب عن طريق العودة إلى لغة مسرحية قديمة أو شكل بدائي في محاولة إحيائه واستلهامه بشكل جمالي في رؤية مشابهة معاصرة دون تكلف وعناء، لأن البساطة هي التي تصنع الجمال المشهدي في مسرح غروتوفسكي  وتقلص لمسافة بين الجمهور والعرض، وقد أرسى قواعد نظريته لمنهجه الإخراجي الجديد بكتيب موسوم: نحو مسرح فقير، وضح من خلاله كل التقنيات المعمول بها وخبراته الفنية على خشبة المسرح.

-نبذ تقاليد المسرح البرجوازي والعرف التقليدي للعمارة المسرحية المكلفة،كما هو لحال في العمارة المسرحية الإغريقية أو الرومانية أو الواقعية التاريخية لساكس ميننجن أو في بعض حالات الواقعية الجديدة للمسرح الملحمي مثلا عند بيسكاتور وفوضى الديكورات وضخامتها بتوظيفها للماكينات على خشبة المسرح.

- التركيز على تعليم الممثل أكثر من شء آخر لأنه مصدر الإبداع في العرض المسرحي وصانع الفرجة بالدرجة الأولى للقدرات الهائلة التي يتمتع بها، وذلك بكثرة التدريبات والتمارين الرياضية لتحقيق المرونة البدنية والتعود على خفة الحركة والإلقاء الصحيح، بدل الاهتمام بباروكة الممثل وزيه المبالغ فيه واكسسواراته وهالاته دالديكورية التي تتعلق بمتطلبات العرض، فغروتوفسكي يستغني عنها جميعها بطرح البديل الأفضل –ما قل ودل في الديكور المسرحي ولا يزال يقتضبه حتى يستفرد بالممثل وحده كاشفا عن حجم طاقاته الكامنة في صناعة عرض مسرحي كامل دون الحاجة لديكور مكلف أو سينوغرافيا ضخمة وفي هذا يقول "إن تعليم ممثل في مسرحنا ليس مسألة تلقينه شيئا، نحاول القضاء على مقاومة جسمه لهذه العملية النفسية، والنتيجة هي الفاصل بين الاندفاع الداخلي والتفاعل الخارجي بطريقة تجعل الاندفاع رد فعل خارجي"1.

-الممثل يمثل العلامة الكبرى في العرض المسرحي بالنسبة لغروتوفسكي فهو حامل العلامات وعليه يتوقف تشظي العلامة وتطورها من حالة لحالة أخرى لإنتاج ايحاءات دلالية متنوعة تكشف عن جوهر الخطاب المسرحي للطرح الموضوعي في العرض "إذ تكون العلامات قصدية في العلاقة بين (دالها ومدلولها)، وإن اختلف مستوى تأويلها من قبل المتفرج"2 والممثل الجيد –الممثل الغروتوفسكي طبعا وحده كفيل بحمل مسؤولية العملية التأويلية على عاتقه وإيصالها في الصورة المطلوبة للمتلقي، فهو في العرض الغروتوفسكي ليس أحد قنوات توصيل رسالة العرض وفقط بل القناة الرئيسة لإيصال الخطاب المسرحي بقدرة إبداعية خلاقة في إعادة صياغة للواقع المحاكى على خشبة المسرح .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- Cité par: Jenn Calvano, a Study of Movement-based Actor Training Language and Pedagogy, (adapted translation), a thesis sbmitted for obtaining the Degree of Phd, University of Colorado, U.S.A, 2016, p.18.

2-سيميولوجيا الممثل، م ن، ص112

 

- تكنيك المسرح الفقير لدى الممثل هو بمثابة الأسلوب عند الكاتب المسرحي، بحيث يقوم على تمديد فترات الدرس والتكوين ويفضل أن تكون طويلة، والممثل لا يصل إلى هدفه كما يصل ممارس "اليوغا" بل يتخطاه إلى اللب، إلى الفكر والإحساس واللقاء الفعلي والحسي مع الآخرين وهم الجمهور القائد الفعلي لسفينة العرض وعليه يتوقف نجاحه.

-فن التمثيل في منهج غروتوفسكي الإخراجي هو فن استعراض القدرات الهائلة للممثل "فالمسرح يستطيع أن يحيا من غير ملابس، ومن غير مناظر، ومن غير موسيقى، ومؤثرات صوتية، لكنه لايستطيع أن يحيا دون لب العمل –الممثل-الناقل لفكرة المخرج نحو المشاهد"1 لأن الممثل وحده قادر على ملأ فراغ الفضاء المسرحي بتموضعاته الحركية من خلال فيزيزلوجية جسده وتعبيراته الإيمائية في تقاسيم وجهه إلى جانب قوة الإلقاء للكلمة و الحوار المتبادل بين الشخصيات، فهو الكتلة المحركة لتفاصيل العرض رموزه وطلاسمه وشفراته إلى حالة تحويلها وإحالتها للعملية التأويلية قصديا لا اعتباطيا، يفرضها السياق الكلي للعرض بصورته اللفظية وغير اللفظية،حيث تنكشف شيئا فشيئا تأويلات ضمنية لخطاب العرض، الذي أراده المخرج، وتنسيقه على شكل أنساق علاماتية     متنوّعة، يروم بثّها للمتلقي، ليأخذ هذا الأخير دوره التواصلي الفاعل باستقباله لرسالة العرض وفهمها عن طريق الوظيفة المرجعية –Function Reference المسندة إليه والتي من شأنها "بيان العلاقة القائمة بين العلامات التواصلية، وما تحيل إليه في العالم الخارجي"2 أي الواقع الذي يعيش فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-جيرزي غروتوفسكي، نحو مسرح فقير، تر: كال قاسم نادر، دار الشؤون الثقافية العامة(آفاق عربية) وزارة الإعلام       والثقافة، بغداد، 1986، ص 30

1-علي عبد الحسين الحمداني وعبود حسن المهنا، التواصلية في أداء الممثل، دار الرضوان للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2014، ص57.

 

- التركيز على عامل الجمهور  في المسرح وإدماجه مع الممثل في لغة مشتركة يفهمها الجميع وهي لغة الجسد والإماءة، لذلك وجب ضرورة إزالة الحواجز بين جسد الممثل والمتلقي وتحقيق العلاقة الحميمية بينهما من خلا حذف الخشبة وإزالة كل الحدود المحيطة بها حيث "يختفي الجسم، يحترق ولا يرى سوى سلسلة من الحوافز والدوافع المرئية"1 وهذا ما أشارت إليه بيير ماري  في قولها: "مع غروتوفسكي ينهار الفضاء المسرحي أكثر بكير من تقسيمه التقليدي بين الجمهور من جهة والممثلين من جهة أخرى"2.

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                                                      

1-Cité par: Jenn Calvano, a Study of Movement-based Actor Training Language and Pedagogy, (adapted translation) ;  Ibid ; P18

2--Georges Pierre Marie , Dramatic Space : Jerzy Grotowski and the Recovery of Ritual Functions of Theatre, (adapted translation), a thesis submitted for obtaining the Degree of MA, McGill University –Montéal, Canada, 2002, p.14.

Ou: https://escholarship.mcgill.ca/concern/theses/w0892c67z