Annonces

المحاضرة التاسعة: الاتجاه العبثي

المحاضرة التاسعة: الاتجاه العبثي

par KARIMA HENNI,
Nombre de réponses : 0

المحاضرة التاسعة: الاتجاه العبثي في المسرح المغاربي

تمهيد

    ارتبط مسرح العبث-Absurd باسم الكاتب والمخرج المسرحي الإرلندي الأصل والفرنسي في الإقامة "صموئيل بيكت" في فلسفته "اللاشيء" في البحث عن الحقيقة في الوجود الإنساني بمفهوم اللاحقيقة وعجز الإدراك عن الفهم الحسي للموجودات، وبالتالي تضمنت فلسفته في الدراما العبثية مفهوما مغايرا عن كل نظريات الفن والجمال الممتدة عبر العصر من سقراط إلى أفلاطون إلى أرسطو طاليس وهيقل وكانت وبومجارتن وبرجسون وكروتشيه وشوبنهاور، وأصبحت فلسفته الوجودية تصب في بالوعات القبح والتفاهة وتمزق الذات الإنسانية من حيث هي موضوع الدراسة في أعماله المسرحية، وليس أدل عى ذلك مما ذهب إليه في مسرحية "في انتظار غودو" في أول عرض لها بباريس عام 1953 ظهرت عن حق الملامح الفنية والفكرية لهذا الاتجاه الجديد، في حركة مضادة للمسرح وأسلوب المعالجة المختلف عن الآخرين، فاق كل التصورات العبثية في المدراس المسرحية بدءا من مدرسة ألفرد جاري في مسرح الدمى ومدرسة أنطونين آرتو في مسرح القسوة إلى المدرسة الدادية والباتافيزيقية والمدرسة السيريالية والرمزية، وبالرغم من مخالفة كل هذه المدارس التمثيلية لفن الدراما للقيم التقليدية المتعارف عليها في المسرح، إلا أنّ دراما العبث تجاوزت المفاهيم والمصطلحات لكل أشكال المسرح المتوارثة والمتعارف عليها وساد بدلها النشاز وجفاء اللغة والخلو من الهدف وكأن التطهير فيها هو تقبل كل صور الفزع للكون الرهيب الذي نعيشه واستسلام إنسان العصر لها، فقد كانت مشاهد الدمار لأحداث الحرب العالمية الثانية لا تزال عالقة بذهنية صموئيل بيكت حيث كان جنديا في صفوف دول المحور ضد الحلفاء، والإحساس الفضيع الذي ضرب فكره نحو رؤية المسرح العبثي أنموذجا مصغرا لفلسفته الكونية في مصير وجود الإنسان من عدمه، ولأول مرة تجسد فلسفة القلق في الفن إلى اللاقلق فمهما كانت الصورة الخيالية تفيض بالوضوح على موضوعها إلا أنّها تفترض عدم وجوده الواقعي ولا معنى الحياة. وهنا يتحول العمل الفني لــ: اللاشيء واللاقيمة واللاموضوع حين يصير الموضوع يجسد اللاّصلة بمفهوم القيمية عند بيكت بخلق الاصطلاح النقيض لها وهو اللاّقيمية الحياة1.

أصول مسرح العبث

-السيريالية  ودراما العبث

      لقد كان للباتافيزقية والسيريالية والدادية وحتى المستقبلية تأثير كبير على ظهور مسرح العبث، ويرى الكثير من نقاد الدراما أن العبثية ما هي إلا تكملة لمسار السريالية التي لم تَدُمْ طويلا وأرسى مبادئها أندريه بريتون عام 1924، وأن الحركة الدادية "أول حركة منظمة لها وجهة نظر عبثية"2 ولم تكن السيريالية  فى حقيقة  الأمر إلا منهجا فنيا سار على أساليب ومبادئ الدادئيين الذي كان بريتون واحدا منهم قبل إعلانه الانفصال عنهم وعودته لتكملة مسار السيريالية لأستاذه أبولينير الذي كان أول من لفظ اصطلاح السيريالية على الخشبة المسرحية في مقدمة عرضه لثديا تريسياس.

      بالرغم أن هذه التيارات الفنية لم تمثل بمعنى الكلمة عرضا دراميا حقيقيا بقدر ما كانت استفزازية دون هدف معين، وكثيرا ما وصفت بالتفاهة لخلو مساحتها الدرامية من الحدث وفعالية الشخصيات -هذا إن وجدت- والديكور، وأيضا لم تسيطر على المسرح بصفة الغالبة أكثر من سيطرتها على الفن التشكيلي والشعر الغنائي، وربما أول عرض حقيقي يحمل ملامح العبثية كان لألفرد جاري –Alfred jarry عن عمله "أبو ملكا"1896 وبعده يأتي عرض غيوم أبو لينير-Apollinaire "ثديا تريسياس"عام 1917 مع أنه كتب فكرة المسرحية منذ عام 1903 والذي كان له بصمة واضحة في أعمال يوجين يونيسكو خاصة في مسرحيته الموسومة "المستقبل في البيض-l’avenir est dans les oeufs" ويقال أن أبو لينير في هذه المسرحية قد أتى ببعض المبادئ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-شكري عبد الوهاب، تاريخ وتطور العمارة المسرحية، م ن، ص180

2-Voir, A.j. Leventhal, The Beckett Hero, from Beckett, (20 th century Views).

والأفكار التي تشبه لحد ما تلك المبادئ والأفكار التي سار عليها كتاب الطليعة المعاصرة على رأسهم صموئيل بيكت وأوجين اونيسكو وآداموف وغيرهم من رائدي حركة مسرح اللامعقول أو العبث.

      وليست رواية "أوبو ملكا" إلا صورة من صور العبث الوجودي في مخالفتها للقيم التقليدية المتعارف عليها في المسرح وفي أسلوب عرضها اللاواقعي وتأكيده على مصطلح "العبث" حيث كتب جاري في مقال له  عنونه: عبث المسرح "لا بد لنا من القضاء على أمور بشعة غاية البشاعة، مستغلقة غاية الاستغلاق، تزدحم فوق المنصة بلا جدوى، وأعني بها في الدرجة الأولى الديكور والممثلين"1 وفعلا كتب هذه المسرحية وعرضها على مسرح من مسارح الدمى، وهي تبتعد عن الواقع كل البعد فهي لا تخلو من الخشونة والمرح البذئ إن صح التعبير أقرب إلى أسلوب كوميديا الفن ومع ذلك حققت رواجا كبيرا في الأوساط الباريسية لجدتها وغرابتها شكلا من جهة، ومن جهة أخرى لغزراة إيحاءاتها الدلالية السياسية مضمونا حيث استمر عرضها المرة تلو الأخرى منذ الحرب العالمية الثانية على المسرح القومي بفرنسا عام 1958 فقد كان لها بعدها الثوري فيما بعد لأنها انطوت على نظرة مستقبلية حملت في طياتها بذور الثورة  الفرنسية التي لمحت لها والتي كانت في غاية الشدة والتأثير على الوضع السياسي بفرنسا –فيما بعد- والتي دامت قرابة عشر سنوات(1789-1799) انتهت بانقلاب نظام حكم فرنسا من الملكي إلى الجمهوري الديمقراطي، واستمرار عرض رواية "أوبو ملكا" في أعقاب الحرب العالمية الثانية ينذر بالشر المستطير  وبعدوان عاجل على المجتمع الراهن حسب رأي الناقد رولان بارت الذي حاول تحديد مراميها عقب عرضها على المسرح القومي ولم يستبشر بها خيرا.

      واتبع أصحاب مسرح العبث نفس أساليب الكتابة الدرامية التي تنافي العرف التقليدي للمسرح الأرسطي الذي أقر أن "محاكاة الإنسان بأخلاقه وانفعالاته وأفعاله، و بهذا رفض أرسطو نظرية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- تاريخ المسرح الحديث، م ن، ص18

المحاكاة السلبية كلها، لأن الواقع ليس في موضوعات الشعر من حيث هو واقع، بل من حيث هو ممكن، وخصوصا من حيث هي مشابهة الحقيقة التي هي المقولة الأساسية التي تأتي قبل الواقع وقبل الممكن، وهي التي تحكم علاقة الشعر بالواقع، والعمل الأدبي بالطبيعة"1 ودراما العبث تتجاهل هذه الحقيقة الأرسطية وهي محاكاة سلبية تدور حول الفراغ الرهيب الذي يكمن في الوجود وعندما يتحول لناقوس خطر يهدد البشرية بالفناء الحتمي فأي حقيقة نبحث عنها؟ وتتحول بذلك اللغة العبثية في المسرح من اللغة الجادة - الأساس المتين للدراما الكلاسيكية الأرسطية التي تصنع الشخصيات وانفعالاتها ومواقفها متسايرة مع الأحداث المحبوكة حبكة متقنة الصنع تؤصل للحدث الكامل في العمل المسرحي ببداية ووسط ونهاية -  إلى اللالغة في كسر شعريتها وفقدان وظيفتها في التواصل الاجتماعي واللاشخصيات في لاجدوى وجودها واللاأسلوب في اللاحوار ولا التواصل بين الشخصيات واللانفعالات لعدم تجاوب الشخصية مع الحدث وانفصالها عنه واللاموقف لـ: اللاحقيقة التي أكدتها دراما العبث في قصور المنطق والعقل الواعي على فهم الواقع ولا معقوليته لذلك ترى فيه اللامنطق واللاوعي بأضداده وتناقضاته ومصير الإنسان المجهول فيه، حتى العلم والمعرفة لم يعد لهما أي عزاء في الفكر العبثي/ دراما اللامعقول "العلم الذي أصبح في نفسه لغزا يعيا به العقل"2 بعد الدمار الذي لحق الكون جراء اكتشافاته النووية، وهذا ما جسده بيكت في مسرحيته "نهاية اللعبة" شخصيات لم تكتمل بنيتها البيولوجية وكأنه يقول لنا هذا ما فعلته قنابل الحرب العالمية الثانية بالإنسان المعاصر، فما جدوى العلم والمعرفة عندما ينقلبان لمفهوم الفناء والزوال البشري.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الدراما ومذاهب الأدب، م ن،ص97.

2-محمد غنيمي هلال، في النقد المسرحي، دار نهضة مصر للطبع والنشر الفجالة-القاهرة، دت، دط، ص34

خصائص مسرح العبث

-لا يهتم مسرح العبث بعرض مشكلات سلوكية أو أخلاقية، ولا مصائر الشخصيات من جزاء وعقاب في مبدأ التحوّل الأرسطوي، ولا بعرض الأحداث في أسلوب الحبكة المتسلسل الدائر حول أزمة معينة والمرتبط بوجود الصراع في شكله الهرمي، كما هو الحال في الأصول الدرامية للمسرح الإغريقية، لأنه يقدم صورة لفوضى اللامعقول التي يتجلى فيه العالم، عالم غير حقيقي وخال من أي معنى للحياة، لذلك جاء تأكيدا على حقيقة يؤمن بها أصحابه ويحاولون فرضها ويوثقونها من خلال نظريات التحليل النفسي كنظريات اللاوعي عند عالم النفس فرويد والنظريات الفلسفية القديمة كعلم الأسطورة، وهذا ما فعله ألبير كامي في أسطورته "سيزيف" حيث كان "لسيزيف كامي أثر كبير على كتاب مسرح العبث وعلى وجه الخصوص بيكت ويونيسكو"2، ولا أدل من الفكر الأسطوري في رؤيته للوضع العبثي الذي يدور فيه الإنسان  مثل أسطورة أوديب وماذا فعلت به الحياة من عبث الأقدار، فنراه في نهاية المسرحية لصوفوكليس يسلّم في كل شيء ويخرج بلا شيء من قصره وملكه إلى عالم آخر غير عالم الحقيقة الذي لم يعد يعني له شيئا سوى رؤيته له رؤية عبثية . ولعل هذا أهم مثال واضح لامتدادات مسرح العبث للمسرحية الأسطورية في الحياة الإغريقية لدى أبرز ممثليها أرسطو طاليس وصوفوكل وغيرهما.

-الدياليكتيك: لهجة الدياليكتيك الهيجلي واضحة في مسرح العبث لأنه مليء بطرح التناقضات في الواقع لحد لا معقوليتها بما أفاد من طرق التصوير اللاشعورية والخارجة عن نطاق التصوير      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-ينظر: سامي خشبة، قضايا المسرح المعاصر، منشورات وزارة الإعلام – الجمهورية العراقية، 1977، ص 10.

 2-نادية البنهاوي، بذور العبث في التراجيديا الإغريقية وأثرها على المسرح المعاصر في الغرب وفي مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998 ص9

 الطبيعي، والهدف من وراء ذلك هو الكشف عن جوهر العلاقة بين الموجودات وتعرية لأوجه الحقيقة وإنكار منطقيتها، يقول محمد غنيمي هلال "ربما مهدت الدياليكتيكية الهيجلية لهذا الاتجاه، حين رأت أنّ تناقض قضيتين لا يقتضي بالضرورة أن إحداهما خاطئة. فكل قضية في نفسها نتيجة صراع قضيتين سابقتين كانت هي النتيجة التركيبية لكليهما، ثم تتصارع –بدورها-مع قضية أخرى للتولد عنها قضية تركيبية أخرى تتعرض لما تعرّضت له سابقتها"1 وكتاب العبث يعكسون بقدر متفاوت من إطلاق العنان لحريتهم  الفكرية في عرض التناقض الاجتماعي الذي يعيشون داخله، تناقض الكون كله وهو تناقض الإنسان الكبير في أعماقه الذي يكشف رهبة الصمت والمستتر فيما وراء الشارع ما بعد الحياة، وهم لا يضعون شيئا أو أحدا موضع المناقشة سوى الشك اليقيني بلا معقولية الوجود كما أنهم يتحاشون أي صراع دياليكتيكي ولو في استخدامهم للغة الجدل فهي عقيمة لأنها تصف الإنسان معزولا ومحروما من التاريخ .

-المزج بين المأسوي والهزلي ولا يقبل الحدث والتسلسل السببي، فمبدأ العلية مرفوض عند أصحاب العبث مما أوجب النقاد وصفه بالنزعة المسرحية المضادة للمسرح وغياب الدافع في المسرحية العبثية "مدفوع بطبيعة موضوعها، وهذا الموضوع هو نمط من الحياة دون مذهب محرك .. ودون دافع.. المسرحية تبقى إذن على مستوى التجريد"2.

 -كما يشكل التهكم والسخرية فيه اللذة والمراد العبثي الذي يكشف عن النفاق والكذب واللاحقيقة في الحياة، لذلك فمطلوب حضورهما بقوة في مسرح العبث فهما "من أهم الأسلحة في توجيه الازدراء إلى الرياء والنفاق الذين يسيطران على الحياة في مجتمعاتنا"3 مما يؤكد على عبثية الوضع الإنساني في هذا الوجود الزائف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-محمد غنيمي هلال، في النقد المسرحي، م ن، ص33

2-رياض عصمت، البطل التراجيدي، م ن، ص177

3-محمد زكي العشماوي، المسرح أصوله واتجاهاته، م ن، ص143

- عدم الإيمان بالنظام الذي يخضع له هذا الوضع الإنساني، وربما في هذه النقطة ذات المحك السياسي يقترب أصحاب العبث من الرؤية الأيديولوجية للمسرح الملحمي ولكن تبقى الفوارق بينهما كثيرة خاصة في أساليب التصوير الفني لكل منهما، كما الحال في "سجناء ألتونا" لسارتر حيث شخصية "فرانتز" تكشف المستتر وهو "فريسة لنوع من عذاب الضمير لم يعد يطيق فيه حياة    الناس، ويلقي التبعة فيه على أبيه أوّلا، ثم على من زجوا بألمانيا في الحروب، ثم على العصر كله، ن هذا الفتى نشأ نشأة دينية يؤمن فيه بآراء لوثر وبالضمير الإنساني"1، وكذا الحال في "نهاية اللعبة" لبيكت وما جنته كوارث الحرب العالمية الثانية من دمار إنساني شامل للإنسانية هز مواطن الثقة في الأنظمة الحاكم للعالم  وكفر بها، وفي مسرحية "باراباس" لمؤلفها ميشيل جيلد رود وقصف عبثي واضح في النزعات الدينية لإنسان العصر وحكم المقصلة  في الأخير يؤكد عبث جهد الانسان في الحياة لتحقيق طموحه فلا باراباس المجرم ولا الرسول عيسى البريء  ينجوان من المصير العبثي ورفض واضح من الكاتب في مسايرة النظام الذي مثله بنظام الحاكم الروماني "بيلات" وضمن مسرحيته " بذلك التساوي بين الفدائية في المسيحية وبين الطرف الآخر  فكلمة الله  المحسمة في الإنسان مصيرها في المسرحية مصير الإنسان الذي ألّه نفسه. وفي النهاية تتأكّد أسطورة الحمق أو العبث التي تتطلّب السيطرة على العالم بالقضاء عليه"2 في النقد المسرحي ويتضح من خلال هذه الأعمال المسرحية وغيرها من دراما اللامعقول أن أصحابها يمتازون بلغة ميتافيزيقة مذهلة وتصوف لا تظهر له عقيدة وحتى حين يتسم نتاجهم بمسحة دينية كما في مسرحية باراباس فإنها مطمسة -لا تظهر- بإيغالها في فكرة التشاؤم* والمصير البائس ولغة الصمت والفراغ الرهيب للكون.

-تختلف اللغة في مسرح العبث اختلافا واضحا عن اللغة المألوفة في حياتنا العادية فهي غالبا ما تكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-محمد غنيمي هلال، في النقد المسرحي، م ن، ص21

2-م ن، ص35

*Voir; Ruby Cohn, Philosophical Fragment in the Works of  Samuel Beckett , (20 th century Views).

 

مكسرة، غير كاملة وناقصة من ناحية التركيب لاكتمال المعنى المطلوب لأصحابها وهو لا جدوى التواصل بين الأشخاص في الحياة. وهي لغة تفتقد لكل المؤهلات المنطقية والشعرية الجمالية التي كان يعتمد فيها في التأليف المسرحي، فهي عادة تتصف بعدم التناسق الماثل في الحياة ولكنها في نفس الوقت تمتاز بلذة خاصة بالنسبة لمن يفهمها والمتأثرين بهذا الاتجاه الجديد، يجد فيه جمالية خاصة في التحليق بخيال المتلقي في عالم خاص جدا واستثنائي عن العالم المحسوس الذي يعيشه. ربما  هذه اللغة نستشعرها في خوالجنا أو عوالمنا الداخلية لما نعيشه من تشظي الأحاسيس وانشطارها في إحساسنا بالغربة من هذا المكان الذي يجمعنا به ولا نعرفه أو حتى يستعصى علينا معرفته على الرغم من أننا مرتبطين به –بالفطرة-بيولوجيا واجتماعيا. فيما يلي  أنموذجا منها في مسرحية نهاية اللعبة لبيكت:

هام: هل نسيتنا الطبيعة

كلوف: لم تعد ثم طبيعة.

هام: لاطبيعة بعد  !! أنت تبالغ .. !  

كلوف: فيما حولنا,,

هام: ولكننا نتنفس..ونتغير..ونفقد شعرنا وأسناننا .. ومثلنا العليا

كلوف:إذن الطبيعة لم تنسنا..

كلوف:ولكنك تقول لم تعد ثم طبيعة .. 1

   ويتضح لنا من هذا المقطع أن اللغة في مسرح العبث تتصف بالسخرية والاستهزاء مما يستدعي الضحك وحضور صنف آخر من الكوميديا وهي كوميديا العبث، ومغرقة في النظرة التشاؤمية للوجود وسوداوية الحياة وفقدان الوعي الإنساني أمام الضغوطات الممارسة في تدمير حقوق الإنسان بفعل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـ1- محمد غنيمي في هلال، النقد المسرحي، م ن، ص40

الأنظمة والسياسات المنتهجة في تسيير شؤون المجتمعات، مما يستدعي حضور التراجيديا من منطلق هذا الأدب العابث والموغل في نظرته الحالكة إلى الجانب اليائس من حياة الإنسان.