مكونات الثقافة

        يتبيّن من التعريفات الآنفة الذكر أنّ مفهوم الثقافة مفهوم معقد ومركب من عناصر شتّى، وكلّها تتفاعل مع بعضها بعضا من أجل تشكيل مفهوم الثقافة، والعناصر الواردة في هذه التعاريف هي بلا شكّ جوهرية ومحورية. فالثابت أنّ الثقافة مرتبطة بالإنسان فقط ولا يشاركه بهذه الميزة أي كائن على وجه الأرض. هذا من جهة أمّا من جهة أخرى فإنّ الثقافة هي التي تضفي على الإنسان إنسانيته. في مؤلفه الذي يحمل عنوان "لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة؟" يسهب المفكر مايكل كاريذرس (Carrithers, 1992) في مناقشة عميقة موضوع تفرد الإنسان بالثقافة محاولاً الإجابة على عدد من الأسئلة المحورية المتعلقة بإنتاج وابتكار البشر لهذه الصورة المتنوعة والمتباينة من أسباب الحياة، والتنوع الثقافي وجذور هذا التنوع وكيفية فهم هذا التنوع. ويخلص إلى أنّ من الضروري البحث علمياً في المجتمعات وعلاقتها ونظام تفاعلها من أجل الوصول إلى فهم أنفسنا، فهناك التنوع الثقافي مع وجود الوحدة الإنسانية، والثقافة هي التي تحجز أو تحجب العناصر غير الإنسانية الموجودة في الكون من مشاركة الإنسان هذه الميزة. والناظر في جوهر الثقافة يتبيّن له ذلك جلياً

 وعليه يمكن تلخيص مكونات الثقافة من المنظور العربي حيث يعتبر الدين واحداً من هذه المكونات كما يتصوّرها المفكرون الغربيون، فهي على النحو الآتي:

(1 اللغة.

(2 الدين.

(3 المعتقدات العامة.

(4 القيم.

(5 التجارب.

(6 الرموز غير اللفظية.

(7 العادات.

(8 التاريخ المشترك.

        أمّا مفهوم الثقافة من منظور إسلامي، وهذا ما يلتزم به المؤلف، فهو مختلف تماما وخاصة فيما يتعلّق بمكونات هذه الثقافة ومصدرها. فالثقافة العربية الإسلامية تقوم أولاً وأخيراً على الدين الإسلامي بمصادره الشرعية المتفق عليها من قبل فقهاء الأمّة وعلمائها المتبعين لمنهاج الرسول – عليه الصلاة والسلام – والخلفاء الراشدين من بعده – رضوان الله عليهم أجمعين – وتابعيهم من أهل السنّة والجماعة من أمثال الإمام أحمد ابن حنبل والإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم.

        فهذه المكونات تشكل الأسس والأنظمة اتلي تقوم عليها ثقافة شعب ما وتحدّد عدداً من الأمور المتصلة بهذا الشعب ومن ثمّ تقوم بدور الموجه لهذا الشعب. وهذه الأمور هي:

(1 الأخلاق.

(2 السلوك.

(3 المشاعر.

(4 العلاقة مع الذات.

(5 العلاقة مع الآخرين داخل الثقافة الواحدة وخارجها.

(6 النظرة إلى الحياة وما بعد الحياة.

(7 الأسلوب المعيشي.

(8 مفهوم الزمن.

(9 مفهوم المكان.

(10 مفهوم التملك.

(11 النظرة إلى العائلة وتركيبتها.

 أمّا خصائص الثقافة الإنسانية بوجه عام فتتمثل بما يلي:

(1 الثقافة نظام جماعي.

(2 الثقافة نظام لاشعوري.

(3 الثقافة نظام مكتسب وليس متعلماً.

(4 الثقافة مستويان: المستوى المعنوي والمادي.

(5 الثقافة نظام لفظي وغير لفظي.

(6 الثقافة نظام رمزي.

        في إشارة مهمّة حول مكانة الثقافة في العقل الإنساني وفي كتابه المعنون The Hidden Dimension، يؤكد هول (Hall, 1966 : 32) على استحالة عزل الإنسان عن ثقافته، وذلك لأنّها تغلغلت عميقاً في نفسيته وذهنيته. يقول هول بهذا الصدد "مهما بذل الإنسان من جهد فإنّه من المستحيل أن يجرد نفسه من ثقافته وذلك لأنّها قد اخترقت نظامه العصبي حتى الجذور، وهي ذاتها التي تحدّد كيف يفسّر هذا الإنسان العالم من حوله. إنّ جلّ الثقافة هو جانب مختفٍ وبعيدٌ عن الطوعية، وهي التي تشكل الغلاف واللحمة للوجود الإنساني". ليس هذا فقط بل يذهب هذا المفكر إلى أنّ الثقافة تبطن أكثر مما تظهر عن مالكها ومن ثمّ تؤدي إلى خلق سوء فهم وعقبات خلال التواصل عبر الحضارات (Hall, 1998). وفي السياق نفسه وبالعودة إلى رؤية المفكر المتميّز هوفستيد للثقافة فإنّه يجدر التوقف عند مستويات التصنيف التفردي في البرمجة العقلية (الذهنية) للإنسان التي طرحها والتي تتوزع هذه المستويات على الشكل الآتي:

أولا: مستوى متوارث وهو خاص بالفرد ويتعلق بالشخصية.

ثانيا: مستو مكتسب وهو خاص بالمجموعة ويتعلق بالثقافة.

ثالثا: مستوى متوارث وهو عالمي يتعلق بالطبيعة الإنسانية.

        باختصار، فإنّ الثقافة الإنسانية هي الكل في الكل. فهي الخيمة التي تلف الإنسان من أسفله إلى أعلاه. فكل مجتمع إنساني مهما كبر أو صغر سواء أكان في القارة الإفريقية أو القارة الآسيوية أو في القارة القطبية فهو نظرياً وعملياً يمتلك ثقافة معينة متميزة عن الثقافات الأخرى. فالفرد في هذه الثقافة يختزن منظومة وشبكة معقدة من المعلومات التي تقوم بدور المنظم والموجه والضابط لتفكيره ورؤيته ومنهاج حياته وتأملاته ومشاعره. وفي هذا الإطار يصبح الحديث عن دور الثقافة في تحديد هوية المجتمع والفرد من نافلة القول نظراً إلى مكانة الثقافة في العقلية الجمعية والفردية. وعليه ليس من المبالغة التأكيد على أنّ الهوية هي الثقافة وأنّ الثقافة هي الهوية مع الأخذ بالاعتبار عمومية الثقافة وخصوصية الهوية.


Modifié le: samedi 11 mai 2024, 19:54