علاقة باللغة بالثقافة

         إذا كانت اللغة هي منظومة سيكولوجية معرفية، وإذا كانت الثقافة هي الأخرى منظومة سيكولوجية معرفية، وإذا كانت اللغة هي مكوّن جوهري من مكونات الثقافة فإنّه من المنطقي القول بأنّ العلاقة بين اللغة والثقافة هي علاقة عضوية وحتمية. فمن زاوية معينة هي علاقة الجزء بالكل ومن زاوية أخرى هي علاقة الكل بالجزء. فاللغة هي نظام كلي وشامل يختزن الثقافة بجلها عدا جانبها المادي. أمّا الثقافة فهي في الواقع أوسع بحيث أنّها تحتوي على اللغة وأكثر من ذلك بكثير كما بيّنت التعريفات السابقة وخاصة من المنظور الإسلامي.

        إذن فليس غريبا أن يشير أحد المفكرين إلى حقيقة مفادها أنّ الثقافة هي اللغة وأنّ اللغة هي الثقافة. وفي هذا السياق ترى رايساجر (Risager, 2006) أنّ اللغة هي جزء مكمل للثقافة والمجتمع والنفس/الروح، ودراسة اللغة ينطلق من هذا المفهوم، وتضيف أنّ الممارسة اللغوية هي دائماً ممارسة ثقافية معنوية، بمعنى أنّ هذه الممارسة هي نفسها ممارسة ثقافية متنوعة. وعن هذه العلاقة الحميمة بين اللغة والثقافة يؤكد دوي (Doye, 1996 :105) أنّ: "طبيعة اللغة تحول دون فصلها عن الثقافة، وإذا اعتبرت اللغة أنّها نظاما من الإشارات وأنّ هذه الإشارات تتصف بحقيقة كونها وحدت شكل ومعنى فإنّه يصبح من المستحيل تعلم لغة ما من خلال تعلم الأشكال بدون محتواها، وبما أنّ محتوى اللغة هو دائما محكوم بالثقافة، فإنّ تعلم أية لغة أجنبية يتطلب دراسة الثقافة، وهي منبع اللغة، ومن هذا المنطلق يأتي التأكيد على حقيقة مهمة وهي أنّ أية محاولة للتواصل بلغة أخرى هي في الواقع فعل ثقافي".

        وفي هذا السياق يؤكد سالزمان (Salzmann, 2004) على عدم تصور نمو الثقافة وتطورها دون مساعدة اللغة، إذ لا يمكن تصور استمرارية الواحدة بمعزل عن الأخرى أو وجود الواحدة وانتفاء الأخرى. وهذا ما يؤكد عليه بدوره هاليدي (Halliday, 1993) بخصوص تطور العلاقة المتلازمة بين اللغة والمعنى والتعبير والتي جميعها تتطور في إطار الثقافة.

        إنّنا عندما نتحدث عن الثقافة اليابانية مثلاً، ونريد التعرف على هذه الثقافة على حقيقتها فإنّنا ندرك أنّه لا غنى لنا عن استخدام هذه النافذة التي يقال لها اللغة اليابانية، وهذا الأمر صحيح فعندما ندرس لغة ما فإنّنا في واقع الأمر ننخرط في دراسة ثقافية، فاللغة والثقافة وجهان لعملة واحدة والعلاقة بينهما هي علاقة تلازم كما قرّر ذلك علماء الأنثروبولوجيا واللغويات الاجتماعية والترجمة والدراسات الثقافية وعلم الخطاب والتواصل عبر الثقافات واللغويات التطبيقية.

        وفي محاولة لتصوير العلاقة بين اللغة والثقافة، يقول فيشمان (Fishman, 1991, 1996) عالم اللغويات الاجتماعية المعروف بأنّه يمكن تحديد هذه العلاقة بثلاث روابط:

-1 اللغة كجزء من الثقافة.

-2 اللغو كمؤثر/كدال على الثقافة.

-3 اللغة كأمر رمزي للثقافة.

        ويشرح ذلك مبيّنا أنّه يمكن توظيف حركات اللغة والتصادم اللغوي بصفتها رموزا من أجل توجيه الناس نحو الدفاع عن الثقافة أو مهاجمة الثقافات الأخرى أو تعزيز الثقافات أو رفضها وهي في نهاية المطاف علاقة تبادلية. أمّا كرامش (Kramsh, 1998 :3)، فقد تناولت مناقشة العلاقة بين اللغة والثقافة في إطار تعليم وتعلم اللغات الأجنبية، ولخصت هذه العلاقة على النحو الآتي:

-1 اللغة هي وسيلة تعبير عن الواقع الثقافي.

-2 اللغة هي أداة تجسير للواقع الثقافي.

-3 اللغة هي بمثابة رمز إلى الواقع الثقافي.

        بناءً على ما تقدّم فإنّه يمكننا إدراك المدى الذي تغلغلت فيه اللغة في الثقافة ودورها في تمثيل الثقافة. وهذه الحقيقة تشكل في ذاتها مضامين مهمة في موضوع التواصل بين الحضارات، فنحن عندما نتواصل مع الآخرين من ثقافات أخرى فإنّنا نستخدم كلتا القناتين وهما الثقافة واللغة في آن واحد.


Modifié le: samedi 11 mai 2024, 19:46