الإيبستمولوجيا في القاموسين الفرنسي والانجليزي
الاستعمال الفرنسي
تنظر المدرسة الفرنسية بقيادة كل من غاستون باشلار Gaston Louis Pierre Bachelard، ميشال فوكو Paul-Michel Foucault وجورج كانجيلام Georges Canguilhem وأتباعهم من الفلاسفة والباحثين الفرنكوفونين إلى ديناميكية العلوم من خلال التركيز على تحليل بشكل معمق وواقعي لهذه العلوم من ناحية تاريخية ثم الانتقال إلى تفسير مسارها التطوري مل علم عبر تاريخه.
فالابستمولوجيا Epistemology كمفهوم يقترب عند أتباع المدرسة الفرنسية من مفهوم فلسفة العلوم Philosophy of science والذي يعتبر تعبير جديد يعتقد لالاند [11[1]][1][1] أنه استعمل في بادئ الأمر بمعنى "كل مجموعة دراسات أو اعتبارات تمثل درجة رفيعة من العمومية وتنزع إلى رد كل نظام معرفي أو كل المعرفة البشرية إلى عدد صغير من المبادئ الموجهة" والذي يبدو أنه شاع استعمال في فرنسا من خلال كتاب آميير، وهو مبحث في التصنيف المنهجي لكل المعارف البشرية، فالابستمولوجيا أو ما يقابلهم عندهم فلسفة العلوم تهتم بالمعرفة العلمية فقط دون غيرها من المعارف الأخرى، إذن فالعلوم المعنية في هذا المبحث في الأساس هي العلوم الطبيعية والرياضية لأنها تتناول الظواهر الجزئية في الطبيعة الحية من خلال الملاحظة، التجربة والاستنباط لتضع قوانين تفسرها تفسيرا منطقيا، أما العلوم الإنسانية والاجتماعية فلا يمكن أن تندرج تحت مضلة العلوم التجريبية والاستنباطية إلا إذا استخدمت ذات المناهج العلمية لذلك نجد على سبيل المثال علم النفس يتشبه بالعلوم الطبيعية باعتماده مناهج تجريبية اصطناعها لنفسها تتماشى وخصائصه والظواهر التي يتعامل معها، ولابد من التنويه هنا إلى المناهج العلمية ليست من مباحث الابستمولوجيا وإنما علم المناهج Methodology كما سبق وأشرنا. ويصف روبير بلانشي Robert Blanché مبدئيا علاقة الابستمولوجيا بنظرية المعرفة بأنها علاقة النوع بالجنس كون الابستمولوجيا تقتصر على المعرفة العلمية فحسب (بلانشي، 2004) [14][2][2][2] وهذا ما يجعلها كما يقول (الترتوري وجويحان، 2009) [15][3][3] (....) مدخلا لنظرية المعرفة والأداة المساعدة لها.
الاستعمال الانجليزي
يظهر الاختلاف في المدرسة الإنجليزية ولدى أتباعهم فيميزون بين فلسفة العلوم والابستمولوجيا التي تعني عندهم نظرية المعرفة على عكس الفريق الفرنكوفوني، فالابستمولوجيا حسبهم هي فرع من فروع الفلسفة التي تعنى بدراسة طبيعة المعرفة -التي يقصد بها هنا المعرفة العقلية، الميتافيزيقية، العلمية وغيرها- وهذا ما يتطلب ضرورة وجود ذات عارفة والموضوع، حدودها وهذا ما يجعلنا ننصرف للنظر في إمكان العلم أو العجز عنه وهل نطمئن لصحة إدراكاتنا أم نشك فيها وما هي الأدوات التي تساعدنا في هذا هل هو الحس، العقل أم حدسنا؟ وللإجابة عن هته الأسئلة الفلسفية ظهرت اتجاهات (الاتجاه العقلي بزعامة ديكارت، الحسي بزعامة جون لوك، النقدي بزعامة ايمانويل كانط والاتجاه الحدسي) سنتطرق لها في قادم المحاضرات.
وقد اعتبر الفيلسوف الإنجليزي جون لوك John Locke أول من تطرق لدراسة نظرية المعرفة دراسة علمية مستقلة في كتابه (مقالة في العقل البشري) الذي فتح من خلاله مسارا لعصر فلسفي جديد [16][4][4][4] [17][5][5]، بينما تداولت بعض الآراء بأن واضع أسس نظرية المعرفة هو الفيلسوف الفرنسي Rene Descartes رينيه ديكارت [18][6][6][6] والذي نظر لنظرية المعرفة على أنها أساس الفلسفة برمتها، وذهب بعضهم لأن الفيلسوف الألماني كانط Emmanuel Kant بكتابه (نقد العقل المحض) ساهم في ولادة نظرية المعرفة بشكل رسمي.
الفكر الإنجليزي لا يفرق من حيث الاستعمال بين الابستمولوجيا ونظرية المعرفة فهما وجهان لعملة واحدة ويشير براتراند راسل في كتابه مشكلات الفلسفة إلى أن مصطلح الابستمولوجيا مرادف بشكل تام لمصطلح نظرية المعرفة، وهدا ما تؤكده أيضا موسوعة لالاند الفلسفية [11][1][1].
وخلاصة لما سبق فإن الفكر الفرنسي قد ميز بين الابستمولوجيا التي يرى بأنها تختص بالمعارف العلمية ونظرية المعرفة على عكس الفكر الإنجليزي الذي اعتبرهما مترادفان يهتمان بالمعرفة العلمية وغير العلمية والفكر الإيطالي [11][1][1] ومن جهته لا يفرق الفكر الألماني بدوره بين الابستمولوجيا ونظرية المعرفة إلا انه أوجد بعض الفروق الطفيفة وهذا ما نجده في كتاب المدخل إلى الفلسفة لأزفلد كولبه الذي يشير إلى أن نظرية المعرفة بمعناها الأعم البحث في مادة العلم الإنساني ومبادئه الصورية، وفي المعنى الخاص هي البحث في المعرفة من حيث مبادئها المادية.