أهم التزامات الأطراف في مراحل التفاوض في عقود التجارة الدولية

الالتزام بحسن النية

لا شك أن الالتزام بحسن نية في المعاملات بين الأفراد تعد من أهم المبادئ القانونية و ما تفرضه أيضًا الفطرة السليمة، و لا مراء في أن ميدان التجارة الدولية و الداخلية تفرض هذا الالتزام بل تسمو به قمة البديهيات، و قد تم تكريس هذا الالتزام بشكل كبير في ميدان التجارة الدولية، و إذا كان الفقه لا يختلف بخصوص أهمية هذا المبدأ، إلا أن الاختلاف ظهر بخصوص تعريف موحد لمبدأ حسن النية، إذ عرفه البعض بأنه عبارة عن سلوك قويم يتصف بالمعقولية و العدالة و الإنصاف و الأمانة في التصرف"، وهناك من عرفه بأنه "المبدأ الذي يقتضي غياب الأضرار و التصرف وفقا للسلوكيات المعقولة المقررة طبقا للأعراف السائدة، و عرفه البعض الأخر بأنه مجرد "تعاون طرفي المفاوضة على إبرام العقد".كما نلاحظ أيضا قيام بعض الاتفاقيات الدولية بالاهتمام بهذا المبدأ و تعريفه، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 1/7 من مبادئ المعهد الدولي للقانون الخاص على أنه "يجب على كل طرف أن يتصرف وفقًا لما يقتضيه مبدأ حسن النية، أي التعامل العادل في تجارة الدولية“، وأضاف في المادة 3/5 أن "على الطرف لفت نظرا الطرف الآخر إلى الغلط الذي وقع فيه وفق ما تتطلبه المعايير الدولية المعقولة للتعامل العادي"، و كذلك تطرقت اتفاقية فيينا المتعلقة بالبيع الدولي للبضائع 1980 لهذا المبدأ حيث أكدت على ضرورة أن يتم مراعاة عدة أمور أساسية في تفسير هذه الاتفاقية منها ضمان احترام حسن النية في التجارة.

ومن هنا كان لا بد أن نشير أنه برغم ما يثيره هذا المبدأ من صعوبة في التعرف على مضمونه، باعتبار النية شيء معنوية غير ملموس في الحياة الواقعية، إلا أن هذا الالتزام يضطلع بدور بارز في مجال المفاوضات، و يعتبر الأساس الذي تنبني عليه صحة المعاملات، ويترتب على الالتزام بحسن النية عدة التزامات تبعية: كالالتزام بالإعلام، و الالتزام بالتعاون، فالأول يوجب على الطرف المتفاوض إخبار الطرف الأخر بكل ما لديه من بيانات و معلومات تتعلق بالعقد موضوع التفاوض حتى تستنير إرادة المتعاقدين، و الإدلاء بكافة الأمور التي يرى أهمية في طرحها قبل التعاقد النهائي، و دون إحجام منه أو كتمان منه حتى يتسم التفاوض بالشفافية و يرتكز على المصارحة و المكاشفة. أما الثاني (الالتزام بالتعاون) فهو يقتضي من الأطراف المتفاوضة تحديد الاحتياجات و الأهداف بشكل دقيق و واضح، و يظهر الالتزام بوضوح في كافة العقود الفنية مثل برامج الحاسب الألي، الذي قد تتم فيه الاستعانة بالخبير أو الاستعلام لدي أي شركة متخصصة، و يمكن للعميل أن يطلب من المورد الإيضاحات الكافية في هذا الشأن، و يظل الالتزام بالتعاون قائما طوال مرحلة المفاوضة و لا تندرج صور هذا الالتزام بالتعاون على سبيل الحصر بل كل ما يحتاجه سير العملية التفاوضية فهو لازم مثل المواظبة على موعد التفاوض و الجدية في مناقشة العروض المقدمة. 2-[1]

الالتزام بعدم قطع المفاوضات:

[1]من بين الالتزامات الأخرى التي تقع على الأطراف المتفاوضة في عقود التجارة الدولية، الالتزام بعدم قطع المفاوضات و مفاد هذا الأخير أن كل طرف يتوجب عليه الاستمرار في التفاوض خلال كل المراحل التي تتطلبها جولات التفاوض، و الغاية من إقرار هذا الالتزام هو تجنب العبث و التلاعبات التي تطرأ خلال مرحلة التفاوض و توفير الحد الأدنى من الجدية بما قد يترتب على هذا الأمر إبرام المزيد من العقود التجارية الدولية مما يعود بالازدهار على كل الشعوب و الأمم، و القاعدة العامة أن المفاوضة تتم بشكل حر و دون قيود و يمكن لأي طرف العدول وقطع المفاوضات إذ اقتضت مصلحته ذلك و بنية حسنة، و هنا نقصد بالالتزام بعدم قطع المفاوضات كما هو متعارف عليه المبادئ العامة للعدالة والإنصاف هو أن يلتزم بأن لا يكون هذا القطع للمفاوضات أو الانسحاب منها بسوء نية و بهدف الإضرار بالغير.أما إذا تعلق الأمر بوجود اتفاق عقدي يؤكد عملية التفاوض، و يحدد الالتزامات التي تقع على عاتق الأفراد خلال هذه المرحلة، فإن الأفراد يتعين عليهم احترام ما تم الاتفاق عليه، وفي العادة يتم النص على الالتزام بعدم قطع المفاوضات، و بالتالي إذا ما تم قطع المفاوضات أو الانسحاب منها حتى ولو كان بحسن نية فإن المخل يلتزم بالتعويض، تطبيقا لأحكام المسئولية العقدية بشرط إثبات المتضرر للضرر الواقع عليه.

ومن هنا نخلص أن الإخلال بالالتزام بعدم قطع المفاوضات يكون أيسر من حيث عبء الاثبات في المفاوضة العقدية، إذ المخل يتحمل المسئولية بمجرد عدم حضوره أو انسحابه عكس ما تم الاتفاق عليه دون النظر إلى مدى حسن أو سوء نيته، بخلاف الإخلال بالالتزام بعدم قطع المفاوضات في المفاوضة الحرة من حيث عبء الإثبات الذي يكون من الصعب إثبات وقوعه بسبب عدم وجود عقد يثبت الاتفاق كما أن إثبات أن الانقطاع عن المفاوضات كان بسوء نية و بقصد الإضرار هو أمر في غاية الدقة و الصعوبة من ناحية العملية. 2-[1]

الالتزام بالمحافظة على السرية:

بالإضافة إلى الالتزام بحسن النية يوجد الالتزام آخر لا يقل أهمية عن الأول و هو الالتزام بالمحافظة على السرية، إذ أن عقود التجارة الدولية تتميز عادة بخاصية التفاوض على جوانب سرية تتعلق بالشيء محل التعاقد مستقبلا، و غالبا ما تتعلق السرية هنا بجوانب تقنية و تكنولوجية تحتاج حماية خاصة من الإفشاء أو الاستعمال، و يظهر هذا في عقد نقل التكنولوجيا حيث إن هذا الأخير عند إبرامه على المستوى الداخلي لا يثير إشكالات كثيرة، بعكس ما نجده بالنسبة للعقد المبرم بين أطراف ذوات جنسيات مختلفة، إذ أن هذا العقد تكون مفاوضاته دقيقة و متشعبة و أحيانا أخرى شاقة و معقدة، حيث تناقش خلال تلك المفاوضات تفاصيل كثيرة تتطلب حضور أهل الخبرة الفنية إلى جانب المستشارين القانونيين، وقد تستغرق فترة التفاوض لإعداد المستندات الفنية و القانونية التي تعكس تصور الأطراف لشوط التعاقدية وقتا طويلا، و عادة ما يقوم مورد التكنولوجيا بإعداد المستندات الفنية و القانونية الازمة باعتباره صاحب الخبرة و الأقدر على عرض شروطه لانتقال التكنولوجيا محل التفاوض، لكن مع ذلك فإنه ينصح باشراك الفنيين و القانونيين للمستورد خلال المراحل الأولى للمفاوضات.و الالتزام بالسرية في عقود نقل التكنولوجيا، يفرض علينا التفرقة بين المناقشة التي تجرى بين الأطراف المتفاوضة حول شروط إبرام الصفقة و غيرها من التفاصيل الأخرى، و بين سرية التكنولوجيا موضوع العقد و التي تثير العديد من الإشكالات على المستوى العملي، خاصة بالنسبة لتلك التكنولوجيا التي تكون في شكل معرفة فنية أي تكنولوجيا غير محمية ببراءة اختراع، كما قد تكون في المنتج ذاته أو في الجهاز أو طريقة التركيب أو التصنيع. 2-[1]