General
المقاربة السيكوسوماتية
أثناء دراستنا للطب النفسي الجسدي نحاول تحليل وتفسير هذا المصطلح، قيمته النظرية والتطبيقية لكن كذلك حدوده، ضف أنّه مصطلح لا زال يُزاوله بعض الغموض التي سنُحاول تحليلها. في الحقيقة نحن أمام إشكاليتين: إمّا أن نجد للطبّ النفسي- الجسدي حدود ضيّقة إلى أنْ نفقد مفهوم العلاقة طبيب مريض (BALINT – SAPIR)، وهي كما نعلم تلعب دور مهم في العلاج. أمّا الثانية فإننا نجعل كلّ الإصابات والاضطرابات ضمن الأمراض السيكوسوماتية، وهذا ما يجعلنا نفقد من قيمته الخاصّة. إنّ المشكل يقع في فكرة إيماننا بأنّ كلّ صراع لاشعوري أو بنية ذهنية معينة يجعل البنية السيكوسوماتية تتحرّك نحو اضطرابات جسدية متمثلة في إصابة موضوعية كقرحة المعدة، ارتفاع ضغط الدموي، نزيف الأمعاء. آراء كثيرة تدور حول مضمون هذا المفهوم بحيث، تقول أوّلها أنّ ظهور بعض الإصابات الجسدية من صداع نصفي إلى نزيف الأمعاء يرجع إلى حادثة مهمة في حياة الفرد (Life Events) وكثيرًا ما تكون فقدان لعلاقة ذات معنى Significatif، أو إلى بنية ذهنية معينة (وهذا ما اهتمت به المدرسة الفرنسية والأمريكية)، والتي تعني أنّ هناك أفراد ينتمون إلى هذه البنية الذهنية المسّماة التفكير العملي Pensée Opératoire، المسماة بالولايات المتحدة L’alexithymie، أي نوعية من التفكير والتغيير متمركز أساسًا حول المادي centré sur le concret، الآني Immédiat، تصوير الحياة العملية مع فقر في الخيال والحياة الاستهامية Vie Fantasmatique. رجوعًا إلى التحليل النفسي، فإنّ المشكل يعود إلى فقر في دور ما قبل الشعور الذي لا يقوم بدوره التواصلي بين الشعور واللاشعور، بحيث أنّ الشعور المنقطع من جذوره اللاشعورية، سيعود إلى عالمه العملي، كلّ هذا يحدث عند المصابين بالأمراض السيكوسوماتية وكأنّ هناك انقطاع جزئي للطاقة النفسية لكي يشحن الباقي في الجسد، من انفعالات، صراعات، بدون إمكانية تمثيلهم نفسيًا Représentation Psychique. إنّ هذا النموذج الحياتي سيصبح منبع المراحل الأولى من النمو العاطفي، بحيث أن بهذا المستوى يصبح التواصل مع الجسد والجسد فقط، وبالعادة يصبح الجسد مادة المعبّر بها على الدوام. وحسب هذا المنظور في رأي Pierre Marty، فإنّ العرض أو المرض السيكوسوماتي يأتي ذلك الجوّ Atmosphère ألانهياري الأساسي التقاءًا بوضعية فقدان الموضوع أي فقدان العلاقة المهمة لهذا الفرد. إنّ العرض السيكوسوماتي يصبح معاش تمامًا مثل أيّ مرض أو عرض من الأعراض المرضية Ressentie. ابتداءًا من سنة 1952 بالولايات المتحدة الأمريكية، بدأت أعمال وتخصصات Alexander et Dumber في البروز، وطرحت أسس الطب النفسي الجسدي الحديث. إنّ الدراسة السيكوسوماتية كانت تابعة للدراسات المكثفة حول الهستيريا، هذا النموذج المرضي الذي يعود إلى إصابة الجهاز العضلي العصبي والذي يعتبر سبب في الإصابة بالهستيريا التحولية. إذن إنّ إصابة الجهاز الاعاشي يعود إلى مرض نفسي- جسدي. وعليه فإنّ الفضل يرجع إلى كلّ من Alexander et Dumber في إظهار مختلف بنيات الشخصية بعض الأمراض السيكوسوماتية. Alexander اكتشف شخصية المصاب بالحساسية والضغط الدموي وقرحة المعدة. إنّ مدرسة Pierre Marty ومنذ 1963 لم تغير من منظورها النظري. بحيث قام بأعمال علاجية بالمستشفى السيكوسوماتي، وعليه فقد ألف كتابه سنة 1985 "محاولة ترتيب سيكوسوماتية بعض الأمراض السوماتية الخطيرة". بحيث يقول أنّ المعرفة التدريجية للصيرورة السوماتية مثلما نُلاحظها في التحسّن العلاجي عند البعض هذا ما يتطلب الدّقة لكي تتم عملية الترتيب Classification، وعليه فإنّه يقترح هذا الترتيب أين نجد درجة الخطورة المختلفة والتي يرجع إلى نوعية ما قبل الشعور (تكوين ما قبل الشعور، ونوعية التعقيل، التي تتكون أثناء المراحل الأولى من الطفولة). يذكرPierre Marty في نظرياته أهمية الانهيار الهام الأولى والذي يفتح في بعض الأحيان مجال إلى طريق الجسد. اتفق معظم الباحثين في الميدان النفسي المرضي أنه منذ القِدم عرف أنّ للأحاسيس والانفعالات تأثيرًا على الجسد، لكنه كان لابدّ من انتظار مجهودات الطب الحديث ليقرّ وجود ميكانزمات انفعالية تسبب المرض ولها علاقة بصفة المرض وتطوره الخاص، وقد تهتم إكلينيكية السيكوسوماتية بالنسبة للأمراض الجسدية بتحديد دور الظواهر النفسية في ذلك، بحيث استعمل مفهوم السيكوسوماتية أي "النفس-جسدي" ولأول مرة من طرف الباحث Heinroth سنة 1818، وبعد قرن ظهرت أعمال س.فرويد S. Freud، حيث قَدّم مفهوم خاص لهذه الظاهرة والتي درست بعد ذلك في فيينا من طرف ف. دوتش F. Deutsch، ومنها إلى عدّة محلّلين نفسانيين أمريكيين مثل أ. ف. دوبرH.F. DUBERT و ف. ألكسندر F. Alexander في شيكاغو انجليز English و ويس Weiss بفلدلفيا، ولهذه الظواهر بُعْد واسع في هذا الميدان، حيث لحقت بعدّة أعمال لعدّة أخصائيين في الأعصاب والفزيولوجيا مثل جاكسون Jackson، هاس Hess وكانون Cannon وهم ينتمون إلى المدرسة الشرطية الروسية والتي وجهت من بعد للبحث في ميدان الأمراض العصبية من طرف بافلوف Pavlov وبيكوف Bykov، تتناسب حاليا الوجهة السيكوسوماتية لمفهوم "الطب" عِوض طب الأعضاء، بل أنها ترمي إلى الطب العام، ويهتم بالنظرة الشاملة والخارجية لفردية المريض، وقد يهتم هذا المفهوم بالوحدة السيكوسوماتية للإنسان الذي قد يكون مقرّ الظواهر المرضية، وقد تدرس بصفة إضافية في زاوية الطب النفسي، أم زاوية الفزيولوجيا.
أمّا بالنسبة لإكلينيكية مفهوم السيكوسوماتية فقد قال سيشل Sichelعلى أنّه يسمح لنا بالنظر إلى الاضطرابات الوظيفية الأكثر وجودا عند الرضيع أثناء الطفولة الأولى، أمّا عن الأمراض السيكوسوماتية فنجدها في المرحلة الثانية للطفولة:
ومن بين الأمراض الوظيفية، والأمراض السيكوسوماتية للطفل نجد:
Ø الاضطرابات الهضمية للقولون والبطن.
Ø عدم الرغبة في الأكل، والقيء الانفعالي.
Ø ربو الرضيع، الحساسية الجلدية.
ومن بين الأمراض الوظيفية، والأمراض السيكوسوماتية للمرحلة الثانية من الطفولة نجد:
Ø اضطرابات هضمية- السمنة.
Ø اضطرابات التبرز L’Elimination
Ø نزيف الأمعاء.
Ø اضطرابات الجلدية إكزيما Eczéma
Ø اضطرابات التنفس كالربو.
Ø الصداع، الصداع النصفي، التأخر في النوم.
1- التعقيل والصحة النفسيةmentalisation et sante mentale
هل هناك معاناة نفسية؟ ولماذا تعبّر عن طريق الجسد؟ هذا ما يدفعنا لمعرفة الصحة العقلية للطفل، منذ تكوين الحياة العقلية وتكوين تغيراتها لأنّ الحياة النفسية وطريقة وظيفتها هي السبب في الأمراض السيكوسوماتية. فالحياة العقلية ليست منعزلة وإنّما تتكون عن طريق العلاقة مع الآخر، فالصحة العقلية هي نتيجة التوازن بين متطلبات الطفل المتغيرة حسب النضج ومستلزمات الوسط الخارجي، هي تعتمد أساسا على التبادلات بين الأم والطفل وهي التي تضع أسس حياته العقلية. إذن ماذا يعني مفهوم Mentalisation- الإعداد الذهني (التعقيل)- وما علاقته بالأمراض السيكوسوماتية، وفي هذا الإطار يقول مختصون في الأمراض النفسية- الجسدية، أنّ الزيادة في الهيجان ممكن أن يؤدي بالفرد إلى حالة الصدمة، وخاصة إذا كانت وسائله الدفاعية النفسية ضعيفة ويظهر هذا الهيجان من طرف غرائز واندفاعات قد أثيرت بسبب حوادث مختلفة، والتي كان لابدّ أن تفرغ. إنّ التعقيل هو مفهوم يعبّر عن طريق عمل الجهاز النفسي المتواصل لتفريغ الهيجانات عن طريق التفكير.
وتتغير هذه العملية حسب الأشخاص، وقد تكون متغيرة حتى عند الفرد الواحد، هناك إمكانية التفريغ الهيجانات المندفعة مخرجا نفسيا، فقد يؤدي تراكمها إلى صيرورة سيكوسوماتية أي التعبير بالجسد إذن إنّ التعقيل يُعالج نوعية وكيفية التصورات النفسية وديناميكيتها، فالطفل الذي يفتقر لهذه التصورات قد يرجع هذا للتغيرات التكوينية للوظائف التصويرية وقت النمو، وقد تظهر أول مرحلة من 6 إلى 9 أشهر تشهد على مرحلة التنظيم الذهني، وهي مرحلة تكوين الموضوع والأنا المستقبل، وهي مرحلة تكوين علاقة حقيقية بالموضوع، وهي دليل أيضا على مكبوتات ساعدت على إظهار تصورات لاشعورية، كذلك إدراك الوجه الذي لا يتلاءم مع صفات الأم يؤدي على تحويل رغبة الطفل إلى البحث عن أمه لإشباع الرغبات مع قلق افتقادها، فالحل التخيلي يفشل والرغبة تلجأ إلى الكبت. فالفرق بين التصورات اللاشعورية والتصورات الشعورية والتي تبدأ في الأول بالكبت ملازمة بالمظاهر الاقتصادية التي تحدد النوعية الوظيفية لِما قبل الشعور، فالتطورات المكبوتة في اللاشعور، ستعمل على التقدم إلى الشعور، رغم انسحاب وظيفته، هذه التطورات التي لا تبقى في اللاشعور بحيث أنّ ما قبل الشعور يعمل على دفعها من اللاشعور إلاّ بواسطة عدم التوظيف، ورؤية وجه الأجنبي مهمة تساعد على عدم التوظيف بردّ فعل وهو الإحساس بالقلق والمحافظة على الكبت بعيدا عن التماثل وهو الرغبة في الأم، تحت ضغط الخوف من فقدانها. إذن يحتاج الإعداد الذهني عند الطفل إلى الكثرة من نوعية الوظائف النفسية والتي تتلاءم مع الاكتساب التدريجي للتنظيم الذهني، خاصة في الظروف التي يفقد فيها ما قبل الشعور قيمته الوظيفية وتتقيّد مهمة تداعي الأفكار حيث لا يستطيع الجهاز النفسي التدخل في تنظيم الاندفاعات التي يتلقاها مثل المريض بالربو الذي سرعان ما يرى زهرة فيُصاب بنوبة ربوية. وتعبر الاضطرابات السيكوسوماتية بالاتصال الوثيق بين الجسم والنفس أي أنها تعبر عن التفاعل المستمر بين الشخصية والصراع الانفعالي من ناحية وبين الجهاز العصبي المستقل من ناحية أخرى، وفي الاختلالات النفسية الفيزيولوجية تتأثر الأعضاء التي لا تخضع للتوجيه الإرادي أو الشعوري مثل الرئتين أو القولون أو الجلد. وقد يرجع السبب في نشأة هذه الاضطرابات إلى صراع الفرد بين طموحاته وأهدافه ورغباته، ومحاولاته المستمرة في تحقيقها، فإذا كانت شدة المثير العاطفية أقوى من مقدرة الفرد على رد الفعل، فإنه يتصرف غالباً تصرفاً غير عادي وقد يتطور ذلك إلى سلوك غير سوي ومرضي، إذا كانت الحالات الشعورية قوية أو كان الشخص غير قادر على مواجهة هذه الخبرات والمواقف المحرجة فإن ذلك يؤدي به إلى اضطرابات نفسية ونفسية جسمية تستمر لفترة طويلة.
يحدث الصراع عندما تتعارض رغبات الفرد مع قيود المجتمع، وتتعارض حقوقه مع واجباته، أو عندما تتجاذب الفرد قوى متعارضة تحثه على الفعل أو عدم الفعل، ويشتد الصراع عندما تتساوى القوى المتعارضة مما يسبب التوتر وسوء التوافق للفرد، وينشأ الصراع من إثارة دافعين أو حافزين معاً لهما نفس الشدة، حيث إن إشباع أحدهما يؤدي إلى إحباط الآخر، مما يؤدي بالفرد إلى التوتر والاضطراب. يري كل من فرويد أن ألهو هو سبب كل الصراعات التي يعانيها الفرد، وذلك لاحتوائه على الاتجاهات البدائية الفطرية، والتي تتضمن الغرائز الأولية التي يرثها الإنسان بالولادة .ويذهب فرويد إلى أن الاضطراب النفسي يرجع في أساسه إلى صراع بين رغبة غريزية وخوف من ألم ممكن مرتبط بالرغبة، هذا والفرد يشيد قلاعاً تحميه من آلام محتملة من العالم الخارجي ومن عالمه الداخلي، وأن الفرد يصبح عصابياً عندما يعجز عن إشباع دوافعه لأسباب داخلية أم خارجية، ولكن أياً كان مصدر الصراع فإنه لا يكون في النهاية إلا نتاجاً للصراع بين ألهو والأنا. يؤدي الصراع إلى شعور الفرد بالتوتر والقلق، فيعجز عن بلوغ أهدافه المتعارضة والمتعددة فيقع ضحية الإحباط الذي يخل بتوازن الشخصية، فيحاول الفرد التغلب على هذا الصراع بممارسة بعض الآليات الدفاعية في محاولة منه لحل صراعه وخفض شدة توتره، فقد يتقمص مثلاً شخصية ما، أو يبرر فشله أو يكبت في نفسه، أو يسقط فشله على الآخرين وأحياناً قد يسمو بغرائزه ويعلو بها في مجالات الإبداع .وبما أن أنا الفرد لا يستطيع تغيير الواقع الخارجي فلا يبقى أمامه إلا وضع مصفاة بين الأنا وهذا الواقع، لكي يجعله مقبولا ًمن الأنا، فالإنكار يمكنه من نكران الواقع كما يظهر له، والكبت يمكنه من طرد الذكريات والإدراك المؤلم من الوعي، والهروب يمكنه من استبدال الوقائع المؤلمة بنزوات مستحبة والإسقاط يمكنه من اتهام الآخرين، أو العالم الخارجي بالمشاعر أو الأخطاء التي يريد أن تكون صادرة عنه، وفي الحالة العادية تستخدم كل هذه الآليات للدفاع عن الأنا ضد القلق لكن استخدامها يبقى محدوداً في الزمن، فما يطبع عدم التوافق هو الاستخدام المكثف والمزمن لها من قبل الأنا. لكن هذه الآليات لا تقدم الحل الأمثل لصراعات الفرد، وقد لا تحقق له الراحة النفسية وبزيادة حدة الصراع قد يتعرض الفرد للاضطرابات العصابية حيث يعاني من بعض الاضطرابات العصابية. وتنشأ العصابية نتيجة لمواجهة الفرد لبعض المشاكل الشخصية أو الرواسب الناتجة عن صراع طفولي، أو لشعوره بالذنب أو الإحباط أو لعدم قدرته على التوافق. والاضطرابات العصابية لا ترجع إلى سبب عضوي، ولكنها تنشأ بسبب مواجهة الفرد لمجموعة من المشاكل النفسية الداخلية والمواقف البيئية الصعبة التي لا يستطيع مواجهتها أو السيطرة عليها ودون التعرض للصراعات النفسية والقلق والتوتر واللجوء إلى استخدام آليات الدفاع النفسي. ويرى أنه لا يوجد عصاب نفسي دون استعداد عصابي، أي دون عصاب طفولي، أي أن العصابيين هم أولئك الذين لا يزالون يستجيبون لحالات الخطر السابقة وكأنها مازالت قائمة بالفعل، وهكذا يرى فرويد أن العصاب الذي يحدث عند مرحلة البلوغ يستند إلى عصاب طفلي بسبب تثبيت اللبيدو في أحد الأطوار السابقة فيكون العرض هو إعادة متخفية لخبرة جنسية طفليه. إن اجتماع هذا المثلث الفعال للصراع النفسي، الآليات، العصابية لا يؤثر علي صحة الفرد النفسية فحسب، ولكنه صحته الجسمية أيضا، فيتعرض من ثم للإصابة بالاضطرابات السيكوسوماتية. فالفرد يعاني من الصراع عندما يفشل في التوفيق بين دوافعه المتعارضة فيضطر إلى استخدام آليات الدفاع النفسي، وعندما يسرف في استعمالها فإنها تفقد مفعولها ويعرضه هذا الإسراف للعصاب وقد ينتهي به إلى الاضطرابات السيكوسوماتية. وعليه فان الاضطرابات العصابية السيكوسوماتية وممارسة آليات الدفاع النفسي ما هي الا مؤشرات ومظاهر تعبر عن الصراع النفسي الذي يهدد توافق الفرد. هكذا عندما يكون الطريق الذهني مسدودًا تستطيع الحركات الإحباطية أن تؤدي إلى إنابة سوماتية (جسدية) وهذا كلّه راجع إلى عدم تنظيم الوظيفة الذهنية التي اتسمت بانهيار عقلي، وقد تتغير الإصابة إلى الأحسن في حالة الربو إذا كانت الاندفاعات غير قوية ويكون التعقيل جيّدا وشاملاً. أمّا إذا كان العكس، فقد تؤدي العدوى السوماتية إلى أمراض خطيرة ومتطورة، إذن فالمرض ذو النوبة الذي هو الربو عند الطفل يشمل نكوص سوماتية والذي سبق أم ترافق بالنكوص النفسي مع قلق وزيادة خطورة الأعراض العصابية كالمخاوف وساوس المرضى، وحتى أعراض تمس الطبع أم السلوك. وقد تظهر هذه الحركة مباشرة بعد اندفاع يتم على المستوى النفسي العاطفي ويكون له طابع الصدمة. وتظهر النوبة الربوية في حالة مرض الربو، لتضع حدًا بعد الانعدام التنظيمي، وتصبح النوبة ابتداء من سن معين عبارة عن إصابة جسدية ردّ فعل لوضعيات للهيجانات الثقيلة والمتراكمة والتي تفرغ عن طريق المسلك الذهني، كذلك ردّ فعل قوي إلتهابي للقصبات ملازما أيضا "التثبيت في الجسد"، تثبيت يؤدي في النهاية إلى حركة نكوصية إلى مستوى الجسد. من جانب آخر يؤكد ج. توسك J. Tusquesعلى الأهمية البالغة للتنفس في وجود الإنسان وكذلك المفهوم العاطفي للتنفس لدى الطفل بحيث أنّ أوّل عمل للولادة يزعج راحة الجنين، فانقطاع العلاقة مع الجيب الغشائي للرحم وانعدام الأكسجين يحرّر أوّل حركة تنفسية ملازمة لأول صرخة، وقد تكون هذه الصرخة نتيجة ضغط زائد للقلق. يمثل نداء يستجاب له عن طريق أول حصة أكسجين. قد تكون كذلك اضطرابات بيولوجية ملازمة لأول ظاهرة علائقية، بحيث عليه ولأول مرة أن يتحمل مسؤولية الاستقلال الذاتي عن طريق التنفس. تكون أوّل حركة تنفسية سريعة بدون راحة، وقد يتعلم الطفل ضبط التنفس خاصة تفريغ الحجز الرئوي الذي يؤدي به إلى التحكم الذي يساعده على تكوين اللغة. فالسلوك العاطفي للأم التمسيد خاصة له دور هام في الترويح الضروري لهذه العملية. كذلك نرى أنّ الصرخة هي تعبير عن إحباط أكسجيني أوّلا مرتبط بوضعية الرمي خارج الجسد الأمومي، ومرتبط كذلك بأول قلق، وكلّ إحباط لاحق هو تكرار لوضعية النبذ الذي تعطي اضطراب تنفسي يتجسد بالشهيق وفي نفس مفهوم نوبة الربو، يقول "نفس الكاتب"[i] أنّ تشابه نوبة الربو مع شهيق الرضيع أمر يُثير الدهشة، فقد يتطور شهيق الرضيع تدريجيا إلى الراشد، فهو بمثابة نوبة ربوية، فقد يمنع التشنج التنفسي الزفير وهذه النقطة موجودة عند المُصاب بأزمة الربو بشهيق الرضيع الذي يحس نفسه منبوذًا وهذا هو الصراع المركزي: إحباط الحب الأمومي له علاقة بالتعلّق الزائد، الغير منحل للرضيع بأمه. يتميز المريض بالربو على أنه يعيش شعوريا هذا الصراع بصفته صراع سابق متشابه للسلوك الذي قد نساه منذ طفولته الأولى. وهكذا نلاحظ ازدواجية مستوى الصراع الحالي الذي هو دائما شعوري، وقد يؤدي النكوص إلى المرحلة الطفولية إلى معايشة الصراع كصراع متشابه سبق وأن عاشه شعوريا وقت الطفولة.
2- ميكانزم التحوّل من السيكولوجي إلى الفيزيولوجي:
في هذا الممر نحاول النظر إلى الدراسات التي أثارت السؤال الذي يطرح بصفة عامة كيف أنّ اضطراب انفعالي يؤثر على الوضعية النفسية ويعطي أعراض سوماتية خطيرة قد تؤدي إلى هلاك الفرد. لقد تطرق إلى هذا الجانب العديد من الباحثين السيكوسوماتيين من بينهم Pinsard وCott الذين أثارا هذا الموضوع في كتابهما "سيكوسوماتية الربو" كمفهوم بحيث يقولان: "إننا على دراية بدور التكوينات السطحية أم تحت السطحية للدماغ في التعبير الانفعالي وكذا مردود الأفعال الأحشائية للمطالب النفسية التي تعمل عن طريق المسالك الإعاشية السطحية- الأحشائية، والسطحية الهرمونية، ونعرف كذلك أنّ في بعض الأمراض النفسية- الجسدية أساس فيزيولوجي- مرضي، أن تشريحي مرضي، هناك بعض الأحيان قرحة وبعض الأحيان اضطراب وظيفي. إنّ كلّ حدث باختلاف طبيعته يسبب حالة من الإنذار: قلق فيتم البحث عن التكيّف للوصول إلى التوازن.
إذا توفرت القدرات العقلية، الانفعالية، التمثلات، سلامة الجهاز النفسي، يصل الفرد إلى التوازن. إذا لم تتوفر القدرات التي تسمح بالتوازن، حالة القلق تستمر والنتيجة:
· المرور إلى الفعل وبالتالي تخفيض القلق.
· الكبت.
· التعبير بالجسد.
3- كيفية ترجمة المعلومة:
كلّ معلومة يتوصل إليها الفرد تتم ترجمتها بواسطة عمليات تسمح بتنظيم وتحويل المعلومة. كل حدث يتم ترميزه والاحتفاظ به. من أجل ذلك نحتاج إلى نواقل عصبية تنقل المعلومة: هرمون النمو، كورتزول، الأنسولين...، هذه النواقل العصبية تؤثر على الجهاز المناعي لما تكثر في الجسم. لما يصبح القلق مستمر، يتم التعبير بالجسد كوسيلة للتكيّف.
- Endorphine= انخفاض نشاط بعض الخلايا البيضاء: cellules tueuses naturelles nk
- الغدة فوق الكلوية = إفراز الكورتزول= انخفاض في دفاع الخلايا البيضاء
- قلق =b endorphine = corticotrophine = ينقص الشعور بالألم (إذا كان إفرازه مستمر يؤدي إلى نتائج سلبية تصعب ظهور عوارض للإصابة مبكرا).
- Noradrénaline= يوقف الاستجابة المناعية
ويذكر نفس الكاتبين لوحة تبيّن التمّركز العصبي لمجاري التحكم الحسي- الحركي للانفعالات.
انفعال
بنيات عصبية أساسية
Ø منفعة Intérêt
Ø غضب- هيجان Colère- Excitation
Ø خوف Peur
Ø حزن الفراق Angoisse de séparation
¬ انتفاخات شريانية قاعدية
¬ الغدة الدرقية القشرية الوسطية والفص الجانبي
Amygdale baso- latérale et centrale- cortex pyriforme
¬ Strie Terminale
¬ Gyrus Cingulaire
أمّا فيما يخص اختيار العضو choix de l’organe نتساءل كيف أنّ هذا الطفل يصبح يعاني من اضطراب انعدام الشهية والآخر من انعدام النوم وآخر من الربو؟ وقد أثار الباحث المفكر المحلّل النفساني س. فرويد، وخرج بآراء عديدة ومتداخلة حيث تطرقت إلى الانسداد العضوي الراجع إلى التكوين، أو ضعف عضوي بسبب السن أو مرض معين، وقد أعطى L. Kreisler رأيه الخاص في هذه النقطة اعتبارًا أنه يعتبر الي يومنا هذا من الباحثين المختصين في الدراسة السيكوسوماتية عند الطفل والراشد. إنّه لمن العقلاني أن نقبل التداخل إذا افترضنا أنّ نقطة الضعف في التصادم الصراعي، حيث أصبح مقر الانقسام أين يضطرب النظام، فالاضطراب المتشابه عند العائلة يطرح التساؤل عن الوراثة وهذا أكيد وواضح، إذن فلا الربو، ولا الحساسية تنتقل عن طريق الجينات.
المراجع:
- بركات محمد مراد:wwwalfaisal-scientific.Com 2016
- محمد عبد الجواد عمران(1996): أثر المناخ التنظيمي على عملية التطوير الموارد البشرية، دراسة مقارنة بالتطبيق على قطاع البنوك التجارية المصرية، كلية الإدارة والتكنولوجيا الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.
- محمد محمود الذنيبات(1999): المناخ التنظيمي وأثره على أداء العاملين في أجهزة الرقابة المالية والإدارية في الأردن، الدراسات للعلوم الإدارية، المجلد 26
-J. Bergeret: Psychologie Pathologique. Ed. Masson, Paris, 1976
-N. Pinsard: Pediatrie. Ed. Simep, France, 1984 Neurologie et Neuropsychiatrie.
-J.P. Sichel: L’Enfant Psychosomatique. Encyc. Medical Chirurg. Psychiatrie. France, 1974, -Gerard Szwec: La Psychosomatique de l’enfant Asthmatique. Ed. PUF. Paris, 1993
-J. Tusques : Initiation à la Psychologie médicale. Ed. PUF. Paris
-Pinsard et MF COH: Neurologie et neuropsychiatrie. Edition Simep. France, 1984
-Léon- Kreisler: La Psychosomatie de l’Enfant. Ed. que sais-je. Paris, 1983